سبقت الإشارة في شرح كتاب الصيام إلى تنوع العبادات، العبادات متنوعة، منها البدنية المحضة كالصلاة، ومنها المالية المحضة كالزكاة، ومنها المركبة منهما كالحج، وعرفنا الحكمة من هذا التنوع، حتى يتم الامتحان على وجهه، يتبين الكسول من غيره، يتبين الشحيح من الجواد، ربما سهل على بعض الناس بذل المال دون النفس، وبعض الناس بعكس ذلك، يصعب عليه بذل المال، ويسهل عليه خوض المعارك الضارية وهكذا، فجاءت العبادات متنوعة ليتم امتحان المكلفين بهذه الأنواع اللازمة حتى يعرف من يتمثل تعبد لله -سبحانه وتعالى- ومن يتمثل تبعاً لهواه، فإذا وافقت العبادة الهوى امتثل وإلا تخلف امتثاله، وذكرنا فيما تقدم أن لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- رسالة في تنوع العبادات، هذا في العبادات الواجبة فالتنوع لا بد منه في الواجبات، لكن بعض الناس يفتح له في بعض العبادات دون بعض، ويسهل عليه بعضها دون بعض، التنوع مطلوب، لكن إذا كانت نفسه لا تنقاد إلى بعض العبادات من المستحبات لا الواجبات، الواجبات لا خيار فيها، يصعب عليه أن يصوم النوافل، ويسهل عليه أن يقرأ القرآن ويتدبره، يصعب عليه الحج، ويسهل عليه أن يعلم العلم، نقول: إلزم ما يسر لك؛ لأنه في هذه الحالة يكون عطاؤه أكثر، ونفعه أعظم، مع مجاهدة النفس من أجل تذليلها لعمل ما يرضي الله -سبحانه وتعالى- من سائر العبادات، بعض الناس مثلاً في رمضان، بعض الناس جالس في المسجد يقرأ لا يستطيع أن يقدم لغيره شيئاً، وبعض الناس ما شاء الله صائم ولا يثني رجله، يساعد هذا، ويفعل مع هذا، ويفطر هذا، ويذهب إلى المسجد الفلاني يعظ الناس فيه ويتكلم ويفيدهم بما عنده من العلم، وبعض الناس راكد، فتح عليه باب البقاء في المسجد والمكث فيه، وتلاوة القرآن، وأغلق عنه كثير من الأبواب لا يستطيعها إلا بمشقة شديدة، وكل على خير، العبرة بالواجبات، الواجبات لا مندوحة لأحد ولا خيار لأحد فيها لا بد من الإتيان بها، مع القدرة والاستطاعة، أما مع العجز فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.