جاء عن البراء بن عازب رضي الله عنه في الحديث المتفق عليه قال: (كان رجل يقرأ سورة الكهف، وعنده فرس مربوط بشطنين)، وهذا الرجل هو أسيد بن حضير رضي الله عنه، وقد كان رجلاً فيه إخلاص وعبادة، وحب لله، رضي الله تبارك وتعالى عنه، وقد كان هذا الرجل يذهب أحياناً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه شخص آخر، فإذا رجع من عنده والليلة مظلمة وفي يده عصا، يجعل الله سبحانه العصا أمامهما نوراً، وكأنها مصباح وكشاف تضيء له الطريق، وعندما يفترقان في الطريق ويذهب هذا إلى بيته وهذا إلى بيته، يجعل الله عز وجل لكل منهما نوراً أمامه، وقد كان أسيد بن حضير رضي الله عنه يظل ليله مصلياً لله عز وجل.
وفي إحدى المرات قام يصلي من الليل رضي الله عنه، قال: (وعنده فرس مربوط بشطنين) أي: فرس قد ربطه بحبلين فتغشته سحابة، فجعلت تدنو منه وهو يقرأ القرآن بالليل)، وفي رواية: (كان يقرأ سورة الكهف، فإذا بسحابة فيها مثل المصابيح -أي: ممتلئة بالنور- نازلة من السماء وابنه بجواره، والفرس بجواره، وهو يقرأ القرآن، فنفر الفرس، وجعل يهتز في مكانه، وخشي أسيد بن حضير رضي الله عنه، فانتبه وجعل ينظر، فإذا بهذه السحابة تدنو من رأسه رضي الله تبارك وتعالى عنه.
فخاف على ابنه بجوار الفرس من أن يرفسه، فتوقف عن القراءة، فارتفعت السحابة، فعاد يقرأ فنزلت عليه مرة ثانية، فترك القراءة خوفاً على ابنه، فلما أصبح ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تلك السكينة تنزلت للقرآن)، أي: نزلت السكينة من السماء، وهي سحابة فيها ملائكة الله عز وجل، ولو ظل يقرأ لنزلت الملائكة تسلم عليه، ولأصبح الناس يسلمون عليهم وتسلم عليهم، ولكنه خاف على ابنه.
وقد جاء في الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (اقرأ يا ابن حضير! اقرأ يا ابن حضير!) أي: ليتك قرأت يا ابن حضير.
فقارئ القرآن يقرأ القرآن ويستمتع به، ولا يدري بالغيب الذي حوله، أن ملائكة الله عز وجل ينصتون له ويستمعون له، وأن السكينة تنزل على قارئ القرآن، ولذلك عندما تحضر مجالس العلم كن مستيقناً بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)، وهذه غيوب نحن لا نراها، ولكن نصدق بما قاله النبي صلوات الله وسلامه عليه.