وفي حديث آخر لـ أم عطية رضي الله عنها قالت: (نهينا عن اتباع الجنائز)، أي: نهى النبي صلى الله عليه وسلم النساء عن اتباع الجنائز، قالت: (ولم يعزم علينا)، ففهمت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى وما عزم عليهن في ذلك.
وقد جاء في حديث آخر: (لعن الله زوارات القبور)، و (زوارات) صيغة مبالغة، ومعناه: أنها تبدأ بزيارة ثم تثني بزيارة، وفي كل وقت تذهب إلى المقابر، فإذا لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعلة ذلك فإن منع النساء من الذهاب إلى المقابر إنما هو من باب سد الذرائع، وخاصة في مثل زماننا الذي كثر الفساد فيه، حيث ترى المرأة إذا توفي زوجها تخرج إلى القبر وراء الناس وقد كشفت شعرها، وتمشي وهي تصرخ وتندب وتنوح، وهذه ملعونة في هذا كله، أولاً: في كونها تخرج متبرجة، وثانياً: كونها تنوح على الميت، وثالثاً: كونها يراها الناس في الطريق.
حيث شغلت الناس عن ذكر الله سبحانه وتعالى وتذكر الآخرة، وكذلك من يساعدها على مثل ذلك، فإذا فتح الباب لواحدة خرجت النساء جميعهن، فالأصل أن تمنع المرأة من ذلك؛ لما في زماننا من الفساد الموجود في النساء من تبرج وغير ذلك.
وإننا لنرى حيث تأتي جنازة إلى المسجد لنصلي عليها أن في الشارع الكثيرين الذين لا يصلون من الرجال، ونجد فيهم النساء المتبرجات يودعن المرأة الميتة أو الإنسان المتوفى وهن في الطريق.
فلو رأى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لمنع النساء من ذلك، فقد منع صلى الله عليه وسلم نساء الصحابة رضوان الله تبارك وتعالى عليهن وعليهم، وكن غاية في التزام أحكام الله سبحانه وتعالى.
فكيف بمثل هؤلاء الذين في زماننا، والأصل هنا في مثل هذا الزمان المنع من ذلك؛ للفساد الحاصل، ويكفينا قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (لعن الله زوارات القبور).
وإذا كانت المرأة التي تتردد على القبور ملعونة فإنها لن تكون مكثرة للتردد إلا بأصل الذهاب، فتذهب مرة، وتذهب ثانية وثالثة، ثم تعتاد ذلك كما تفعله الكثيرات من النساء.