قال الإمام النووي رحمه الله: [باب الكف عما يرى في الميت من مكروه].
أي: إذا توفي إنسان واطلعت منه على شيء مكروه فلا تفضحه بهذا الذي اطلعت عليه، وفي ذلك أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم منها حديث أبي رافع واسمه أسلم وهو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي: كان عبداً عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأعتقه النبي صلى الله عليه وسلم- فيقول صلى الله عليه وسلم في حديثه: (من غسل ميتاً فكتم عليه غفر الله له أربعين مرة).
فهذا الحديث العظيم فيه أن الذي يغسل الأموات له أجر عظيم، ولكن بشرط أن يكتم عنه، أما أن يحكي ويقول مثلاً: كنا نغسل الميت وكانت ريحته سيئة جداً، أو الميت له أكثر من يوم وريحته صارت كريهة، أو الميت ينزل دماً، أو الميت كان فيه غائط، أو بول، أو كان فيه كذا ويفضح هذا الإنسان فلا يستحق ذلك الأجر.
ولذا فعليك أن لا تفضحه، بل استر عليه، فكما أنك تحب أن يستر عليك الناس في حياتك ومماتك فكذلك استر عن أخيك ولك هذا الأجر العظيم عند الله، بأن يغفر الله لك أربعين مرة، وهذا من كرم الله وفضله سبحانه وتعالى.
ولكن من أثني عليه شراً، أليست فضيحة لهذا الإنسان؟! الفرق هنا بين أن تغسل ميتاً فترى شيئاً من الأشياء العادية التي ترى من أي إنسان كأن يخرج منه ريح، أو بول، أو غائط، أو دم كثير، أو أنه يتعب الناس في تغسيله، بأن كان ثقيل الجثة، فثقل أن يقلبوه ويعدلوه، أو يحدث أشياء في أثناء التغسيل لعلها تضايق من يقف ويغسل فيها، فتكتم هذه الأشياء وتسترها ولا تحكيها بين الناس، أما الإنسان الذي يكون شريراً، كأن سب دين الله عز وجل، ثم جاءت سيارة وصدمته فمات، فهذا إنسان يستحق أن يفضح بذلك؛ حتى يكون عبرة للخلق، أو يكون قد استهان بالمصحف فقصمه الله وفعل به كذا، فهذا يستحق أيضاً أن يفضح حتى يكون على ألسنة الناس، فيثنوا عليه شراً.
إذاً: التحديث بما يحدث للظلمة من انتقام الله عز وجل وكسره إياهم جائز، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة ذلك.
ولكن عندما يرد الأمر بذكر محاسن الموتى، فهذا يراد به الإنسان المؤمن، أو الإنسان الذي ستر نفسه ولم يفضحها، أما الفاسق صاحب المعاصي الذي يموت على ذلك، فيحذر الناس من عمله، كأن نجد رجلاً يرقص ويشرب الخمر والحشيش بالليل ثم يصبح ميتاً، فهذا يخبر الناس عنه؛ حتى يتعظوا من هذه النهاية الأليمة الذي حصلت لهذا الإنسان فلا يفعلون فعله.
إذاً: هنا فرق بين أن تستر على ميت بأشياء عادية تحدث منه ومن غيره ولكنها قد تكون شيئاً من الأذى، بحيث أنه يتأذى بها الحي أن يذكر عن ميته، فهذا شيء، وأن يكون الميت إنساناً مجرماً ظالماً فاسقاً كافراً يعصي الله عز وجل، ويحارب دين الله سبحانه، فيجعله الله عبرة حتى يتحدث الناس بآية من آيات الله عز وجل نزلت به فهذا شيء آخر وهو جائز.
وليس الأجر العظيم مقصوراً على تغسيل الميت فقط، ولكن الحديث طويل رواه الإمام الحاكم والبيهقي من حديث أبي رافع وصححه الحاكم والذهبي، وكذلك الشيخ الألباني رحمة الله على الجميع.
وفيه: (من غسل مسلماً فكتم عليه غفر الله أربعين مرة، ومن حفر له فأجنه) أجنه أي: أخفاه وواراه بمعنى: دفنه، قال: (جرى عليه كأجر مسكن أسكنه إياه إلى يوم القيامة)، فالمقبرة التي تجعلها للناس كلما دفن فيها شخص كان لك أجر ذلك، وكأنك أجرت له منزلاً إلى يوم القيامة، والأجر عند الله عز وجل ولا يتحول إليك إلا يوم القيامة.
قال صلى الله عليه وسلم: (ومن حفر له فأجنه) أي: دفنه في القبر وستره بالتراب، (جرى عليه كأجر مسكن أسكنه إياه إلى يوم القيامة).
قال: (ومن كفنه كساه الله يوم القيامة من سندس وإستبرق الجنة) أي: من كفن ميتاً كساه الله سبحانه وتعالى من سندس وإستبرق الجنة، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى.
وانظر عندما يكون الناس يوم القيامة عرايا حيث يقومون من قبورهم حفاة عراة غرلاً، فإذا بالله يكسو هذا الإنسان في يوم تعرى فيه الخلق؛ لكونه كفن إنساناً مؤمناً توفي.