من الأحاديث: حديث لـ أبي هبيرة واسمه عائد بن عمرو المزني وهو من أهل بيعة الرضوان، بايع النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية بيعة الرضوان، فبايع بعضهم على الموت، وبعضهم على الجهاد في سبيل الله سبحانه.
فهذا يخبر أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال، وغيرهم من فقراء المهاجرين الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك بعد الحديبية.
ففي أثناء فترة الهدنة التي ما بين سنة ست وسنة ثمان جاء أبو سفيان فقابل هؤلاء من المسلمين، وكان أبو سفيان كافراً لم يسلم بعد، فجاء ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فقابل هؤلاء المسلمين سلمان وصهيباً وبلالاً، أما صهيب وبلال فكانا يؤذيان في مكة، وصهيب خرج مهاجراً ولحقوه فأعطاهم كل ماله، وخرج إلى المدينة من غير شيء، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ربح البيع أبا يحيى).
وبلال كان عبداً فأعتقه أبو بكر.
هؤلاء الفقراء رأوا أبا سفيان وهو آت ولم يسلم بعد فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عدو الله مأخذها.
فغضب أبو بكر، وكانت نظرة سيدنا أبي بكر رضي الله عنه نظرة مصلحة؛ لأنه يمكن أن يسلم، ولا يريد تنفيره عن الدين، فقال: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم غاضباً، فشكا أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما قاله سلمان وصهيب وبلال لـ أبي سفيان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر لعلك أغضبتهم)، أي: بمجاملته أبا سفيان على حساب هؤلاء، والنتيجة إن أغضبهم قال: (لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك).
فأتاهم أبو بكر مسرعاً وقال: يا إخوتاه، آغضبتكم؟ فقالوا: لا، يغفر الله لك يا أُخيَّ.
يا أُخَيَّ تصغير أَخِي، والتصغير يكون أحياناً للتدليل، فقد يصغر الاسم على وجه المحبة والتلطف.
هذا أبو بكر الصديق الذي لو وزن إيمان الأمة ليس فيها النبي صلى الله عليه وسلم لوزنهم، ولكن مع ذلك أمره النبي أن يحسن إلى هؤلاء وله بذلك القدر العظيم عند الله؛ لذلك ذهب إليهم واسترضاهم فقالوا: لا، يغفر الله لك يا أخي.
نتعلم من هذا الحديث أن الإنسان المسلم لا يغضب الفقير لكونه فقيراً، والإنسان المسلم يحب الفقير ولا يتمنى الفقر، ولكن الفقر قد يكون نعمة لإنسان، وقد يكون نقمة على إنسان آخر، ولذلك يكفي الفقير أنه يسبق إلى الجنة بنصف يوم من أيام القيامة، أي: خمسمائة عام، فلا تعاد الفقير أبداً، لعله يكون ولياً لله عز وجل.
وفي الحديث أن الله سبحانه وتعالى يقول: (من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)، فإذا أردت أن تبتعد عن محاربة الله سبحانه وتعالى، فابتعد عن مؤذاة الفقراء والمساكين، الذين هم أهل التواضع وأهل حب الله سبحانه وتعالى.
فهنا أبو بكر الصديق يصالح هؤلاء الأفاضل، ومنهم بلال الذي عذب وأعتقه أبو بكر رضي الله تبارك وتعالى عنه، ولكنه ما أعتقه إلا لله، فهو بإغضابه لهؤلاء يغضب ربه سبحانه، فذهب يصالحهم رضي الله تبارك وتعالى عنه.