قوله: (وفكوا العاني)، العاني: هو الأسير، والمعنى: أن المؤمن إذا أسره الأعداء وأنت تقدر على فكه فإنك تسعى إلى ذلك، ويلزمكم ذلك، ولا يجوز للمسلمين أن يتركوا أسراهم بأيدي الكفار فضلاً عن أن يعينوا الكفار على أن يأخذوا المسلمين من عندهم فيأسرونهم، فالواجب على المسلمين أن يحرروا الأسارى من المؤمنين الذين أسرهم الكفار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وفكوا العاني) أي: ادفعوا أموالكم حتى تخرجوه وتحرروه.
ومن الأحاديث في ذلك حديث لـ ثوبان رضي الله عنه -والحديث رواه مسلم - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع، فقيل: يا رسول الله! وما خرفة الجنة؟ قال: جناها)، والجنى: هو الثمار الناضجة، فالثمرة إذا نضجت فهي الخرفة، وهذا الإنسان في مخرفة، يعني: في بستان فيه ثمار، فأنت إذا عدت المريض فأنت في بستان مثمر من بساتين الجنة.
وعن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من مسلم يعود مسلماً غدوة -أول النهار- إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عادة عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة) أي: كان له بستان في الجنة، فهذا شيء عظيم جداً.
الحديث رواه الترمذي، وهو حديث حسن.
وعن أنس رضي الله عنه، قال: (كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده).
أي: أن اليهود يعرفون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك أرسله أبوه كي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فأبوه يعرف أنه رسول ومع ذلك لم يسلم! قال: (فقعد عند رأسه)، وهذا يدل على {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ} [الرحمن:60]، فهو يخدم النبي صلى الله عليه وسلم لذلك عندما مرض زاره النبي صلى الله عليه وسلم، (فقعد عند رأسه فقال له: أسلم، فنظر الغلام إلى أبيه وهو عنده فقال: أطع أبا القاسم، فأسلم الغلام، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار).
فلم يسلم اليهودي الأب، وأمر ابنه بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم فحمد النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن مَنَّ على هذا بالإسلام، فأنقذه الله عز وجل من النار، ففي هذا عيادة الإنسان المريض سواء كان مسلماً أو كافراً، فإذا كان كافراً عُرض عليه الإسلام كما فعل النبي صلوات الله وسلامه عليه.
نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وعلى اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.