من الأحاديث في الباب: عن أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يابن آدم مرضت فلم تعدني!)، وهل يعقل أن الله يمرض سبحانه؟ لا، ولكن المعنى الذي يريده هنا هو ما فسره سبحانه لعبده يوم القيامة فقال: (مرض عبدي فلان فلم تعده)، لذلك قبل التفسير يعجب العبد فيقول: (يا رب! كيف أعودك وأنت رب العالمين؟!) فقال: (أما علمت أن عبدي فلان مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟)، فالمقصود: أن الإنسان إذا مرض فالله سبحانه عنده، مع أن الله فوق سماواته، بائن من خلقه سبحانه، وهو عند هذا الإنسان بسمعه وبصره وقدرته ورحمته وإجابة الدعوة، فإذا ذهبت وجدت رحمة الله سبحانه، ووجدت ملائكة الله سبحانه، ووجدت الأجر العظيم من الله سبحانه.
فيعاتب العبد يوم القيامة: أنت قادر أن تعود فلاناً فلماذا لم تعده وقد كان مريضاً؟ والمريض كما هو معروف قد يحتاج للعواد وهذا الغالب، وقد يكون ممنوعاً من العيادة وهذا في بعض الحالات، وذلك إذا كان الإنسان في حالة حرجة، فهنا يكفي أن تسأل عنه، فيعلم أنك قد سألت عن هذا الإنسان.
وإذا عدت المريض فلا تثقل عليه ولا تمله، فالمريض قد يحتاج إلى أهل بيته أن يكونوا حوله، فإذا جاءه الضيف فلعله يمله، إذاً فالعيادة تكون بقدر، وإن كانت لا تصح مرفوعة للنبي صلى الله عليه وسلم ولكنها حكم ومعاني، فقد جاء أن العيادة بقدر فواق الناقة، يعني: بقدر أن يسلم الإنسان وينصرف، فلا يمكث عند المريض فيمله.
إذاً فزيارة المريض تكون بقدر ما تسلم عليه وتنصرف، فلا تمكث عند المريض إلا إن احتاج إليك، فإن احتاج إليك في شيء فإنك تجلس عنده بقدر حاجته إليك، ولا تمل المريض حتى لا يمل من العيادة.
قوله: (يقول الله عز وجل: يا بن آدم! استطعمتك فلم تطعمني) أي: طلبت منك طعاماً فلم تفعل ذلك، (قال: يا رب! كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟! فيقول الله عز وجل: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟).
إذاً طلب منك إنسان محتاج الطعام وهو جائع فأطعمه، فإذا جئت يوم القيامة ولم تفعل عاتبك الله، ويعاتبك إذا كنت قادراً على ذلك.
يقول: (يا بن آدم! استسقيتك فلم تسقني! فيقول: يا رب! كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟! يقول: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه! أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي؟) رواه مسلم.
ومعنى ذلك: أنك تبذل ذلك ابتغاء وجه الله، والله يحاسب العبد يوم القيامة فيعاتبه على تقصيره في أداء الواجبات، وأيضاً على حرمان نفسه من الثواب.
وعيادة المريض قد تجب على الإنسان وقد تستحب للإنسان، فهذا يعاتب وهذا يعاتب، فالإنسان الذي وجبت عليه يقال له: لم لم تفعل هذا وهو واجب عليك أن تصل الرحم؟ فهذا أبوك مريض وأنت لم تذهب إليه، وتشاغلت بالعمل، وتشاغلت بالسفر، فيجب عليك أن تبر أباك، وأن تبر أمك، وأن تبر رحمك، فإن لم تفعل هذا الشيء فإنك ستجازى عليه يوم القيامة.
والإنسان الغريب ليس واجباً عليه أن يعود إنساناً غريباً لا يعرفه، ولكن لا يقصر في طلب الثواب، فكيف تفرط في هذا الثواب: أن يستغفر لك سبعون ألف ملك؟ ولو استغفروا لك فإن ذلك ينفعك يوم القيامة، ويثقل ميزانك، وتدخل الجنة بذلك، فتعاتب على التقصير في الواجب والفرض، وتعاتب على التقصير في حرمان نفسك من الثواب بالمعاتبة.
وفي حديث رواه البخاري عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عودوا المريض، وأطعموا الجائع، وفكوا العاني).
فقوله: (عودوا المريض) أي: اذهبوا للمريض فعودوه طالما أنه يحتاج إليكم، وطالما أن العيادة ترفع من روحه المعنوية، وعيادة المريض تذكره بالآخرة، فأنت تتذكر أن هذا كان سليماً مثلك ثم صار الآن مريضاً، وهذا الأمر -أمر المرض- ليس لإنسان واحد ولكن يدور على الناس، وهو مريض اليوم وأنت مريض غداً، ولا تدري لعل مرضه أخف مما سيأتيك أنت بعد ذلك، فاعمل للمستقبل، واعمل لما يكون أمامك، وإذا ذهبت إليه فإنك تنفس له في الأمل وفي الحياة وتقول له: ربنا يشفيك وترجع أفضل مما كنت، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للمريض: (لا بأس طهور إن شاء الله)، فتنفس له في العمر وفي الأمل، ولعلك تعرف من حال هذا المريض أنه سيموت قريباً، فالأطباء قد عجزوا فلا تقل له: أنت لن تعيش؛ فالأطباء قالوا: إنك في آخر حياتك، كما سمعنا من بعض إخواننا عندما ذهب يزور مريضاً قال له: أنت في آخر حياتك فتب إلى الله عز وجل!! لا تقل له هذا الشيء بل نفس له في العمر، ولا مانع أن تأمره بالتوبة، ولكن لا تقل: ستموت في النهار، وانظروا إلى الشيخ المريض الذي يعلم أنه سيموت في هذا المرض فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لا بأس طهور إن شاء الله)، فلما قال الرجل: لا، وما أعجبه كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (بل حمى تفور، على شيخ كبير، تورده القبور، فقال: فنعم إذاً)، فلم يقل له ذلك إلا لما قال هذا المريض هذا القول، لكن العادة في زيارة المريض أن تدعو له: أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشفيك، فلا تجعل المريض يائساً، فيأس المريض يجعله ينسى أمر دنياه وأمر أخراه، ولكن نفّس له، ولا مانع أن تدعوه إلى التوبة إلا إذا دخلت عليه وهو يغرغر ففي هذه الحالة تلقنه الشهادة: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
فالأصل في عيادة المريض أنك تسلي عليه، وتواسيه، وتدخل السرور عليه، حتى لو كنت عارفاً أنه سيموت الآن فدع أمره إلى الله سبحانه تبارك وتعالى، وإذا دعوته إلى التوبة أو لقنته الشهادة فعليك بالأسلوب الطيب الذي يقبله المريض، لذلك ينبغي أن الذي يزور الإنسان الذي في مرض الوفاة أن يكون حكيماً حليماً رحيماً عاقلاً، فالإنسان العاقل ينفع، وأما الإنسان الأحمق فإنه يؤذي، فبعضهم يجلس عند المحتضر يقول له: قل: لا إله إلا الله، قل: لا إله إلا الله، قل: لا إله إلا الله حتى يجعله يضجر من ذلك، ولكن تقول أمامه: قل: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإذا سمع ذلك ردد وراءك فانتفعت وانتفع هو، وإذا قالها وتكلم بعدها بشيء من كلام الدنيا فاعرضها عليه مرة ثانية، حتى يقولها فيختم له بهذه الكلمة: لا إله إلا الله.