قوله: (وإبرار المقسم) أي: من البر، فتسدي له خيراً ولا تجعله يحنث في يمينه، فإذا قال: والله إني أريد منك كذا، فتعطيه هذا الشيء طالما أنت قادر عليه، وطالما أنه غير متكلف، فبعض الناس يتكلف ذلك ويستحليه، ففي كل حين يطلب حاجة ويقول: والله أعطني كذا، فمثل هذا لا يستحق الجواب طالما أنه متكلف لذلك وكلما أراد شيئاً حلف عليه، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يجيب أصحابه إذا أقسموا وأحياناً لا يجيبهم، فـ أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم وقد سمع إنساناً رأى رؤيا من الرؤى فقال: (والله يا رسول الله! اجعلني أعبرها -أعبر لك هذه الرؤيا التي قالها فلان- فقال: عبرها، فذكر أبو بكر رضي الله عنه التفسير لهذه الرؤيا، وكان من أعبر الناس رضي الله تبارك وتعالى عنه، ثم سأل النبي صلى الله عليه وسلم وأقسم عليه: هل أصبت أم أخطأت؟ فقال: أصبت في أشياء وأخطأت في أشياء، ثم أقسم عليه مرة ثالثة وقال: ما الذي أخطأت فيه؟ فقال: لا تقسم، ولم يخبره).
وبهذا الحديث يظهر لنا أن الإنسان المقسم من السنة أن تبره، إلا إذا كان يستحلي ذلك ويستمر عليه، ففي كل وقت يحلف الشيء ويأخذه، فهنا لا يقسم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبو بكر رضي الله عنه، وكما قالها لغيره عليه الصلاة والسلام، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كثرة الكلام، ونهى عن الإلحاح في السؤال وهو من هذا الباب، فالإلحاح في المسألة ليس من صفات المؤمنين الطيبين كما قال الله تعالى: {لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة:273]، فهؤلاء هم المتعففون، وعكسهم الذين يلحفون في السؤال ويبقى أحدهم يسأل: أريد وأريد وأريد، وبالله عليك أريد كذا، فإذا كان الإنسان ملحاً فلك أن تعطيه ولك أن تمنعه؛ تأديباً له.