الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الإمام النووي رحمه الله: [كتاب: عيادة المريض، وتشييع الميت، والصلاة عليه، وحضور دفنه، والمكث عند قبره بعد دفنه.
عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيادة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإبرار المقسم، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام) متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس) متفق عليه].
هذا باب من كتاب (رياض الصالحين) يذكر فيه الإمام النووي عيادة المريض، وتشييع الميت، والصلاة عليه، وحضور الدفن، والمكث عند القبر بعد دفنه، وهذه من حقوق المؤمن على أخيه المؤمن، وقد جاء حديث النبي صلى الله عليه وسلم يبين ذلك بأمره صلى الله عليه وسلم بهذه الآداب، وأيضاً بذكره أنها من حق المسلم على أخيه المسلم.
فمن الأحاديث في ذلك حديث البراء رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيادة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس) إلى آخر ذلك.
وما يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فيه الخير كله في الدنيا وفي الآخرة، فهو يأمرنا بما يؤلف قلوبنا، وبما يجعل المؤمن يحب أخاه المؤمن، فقد قال لنا صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)، وهذه من خصائص المجتمع المؤمن المسلم، فالمؤمنون يحب بعضهم بعضاً، والمؤمنون يجمعهم الحب في الله سبحانه تبارك وتعالى، والتعاون على البر والتقوى، وتجمعهم الألفة التي في القلوب، ويجمعهم العمل لدار الآخرة، فالمؤمن يحب أخاه المؤمن ولا ينتظر منه أن يعطيه على هذه المحبة أجراً في الدنيا، بل إن المؤمن إذا بذل المال والعون قال: {لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} [الإنسان:9]، وقال: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} [الإنسان:9].
إن المؤمن يبذل ما عنده من نفع لغيره ابتغاء وجه الله سبحانه، والمؤمن مستريح في الدنيا، ولو أنه يبذل نفعه وماله وطعامه وينتظر عليه أجراً من الآخرين لتعب جداً، ولو جلس يتذكر: أعطيت لفلان كذا ولم يعمل لي شيئاً، وزرت فلاناً وما زارني، وأعطيته من مالي ولم ينفعني بشيء، لو تذكر ذلك لتعب الإنسان بذلك، ولكن المؤمن يستريح؛ لأنه ينتظر الأجر من الله: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} [الإنسان:9]، ولا حتى الشكر، فلا ننتظر منكم الشكر على ذلك، وإنما ننتظر الأجر من الله سبحانه، فالمؤمن قلبه معلق بالجنة يريد أن يدخلها بأي عمل من الأعمال، ولو أنه علق قلبه بالدنيا لأخذته الدنيا، فالدنيا تفتن الإنسان وتغره، وكلما طلب الدنيا ابتعدت عنه هذه الدنيا، ولن ينال منها إلا ما قسمه الله عز وجل له فيها، لذلك فالمؤمن يستريح لأنه يطلب الآخرة، ولا ينسى نصيبه من الدنيا، ولكن لا يجعل قلبه متعلقاً بها، وإذا تعلق بها فلعله ينالها ولعله لا ينالها، لكنه يتعلق بالدار الآخرة، {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ} [القصص:83] والآخرة، والعاقبة الحسنة، والجزاء الحسن للمؤمن عند الله {لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83].
إن المؤمن حين يطيع ربه سبحانه، وحين يطيع رسوله صلوات الله وسلامه عليه لا يبتغي بذلك إلا الدار الآخرة، فإذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعيادة المريض فإنك تعود المريض ابتغاء وجه الله سبحانه، وانتظار الأجر من الله سبحانه.