ما يقول المستأذن إذا قيل له: من أنت؟

يقول الإمام النووي: [باب بيان أن السنة إذا قيل للمستأذن: من أنت؟ أن يقول: فلان، فيسمي نفسه بما يعرف به من اسم أو كنية، وكراهة قوله: أنا ونحوها].

العادة أن الإنسان حين يطرق الباب فأهل البيت يسألونه من؟ فهنا تخبر عن نفسك فتقول: فلان، أو تقول: أنا فلان، بالشيء الذي تشتهر به عندهم، سواء كان اسماً لك أو كنية أو لقباً، كي يعرفوك ويستأنسوا فيفتحوا لك، ويكره أن يقول المستأذن: أنا أنا؛ لأنه مجهول لا يعرف من هو؛ فلذلك في حديث لـ أنس رضي الله عنه في قصة الإسراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثم صعد بي جبريل إلى السماء الدنيا، فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل)، هذا جبريل رسول رب العالمين عليه السلام إلى النبي صلوات الله وسلامه عليه.

يصعد بالنبي صلى الله عليه وسلم ويستفتح السماء فأهل السماء يسألونه: من؟ فيقول: جبريل، فيقولون: من معك؟ يقول: محمد صلى الله عليه وسلم، يقولون: وقد أذن له؟ يقول: نعم، قال: ثم صعد إلى السماء الثانية والثالثة والرابعة كل سماء يصعد إليها جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم لتكريمه في السماء عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك في كل سماء يستأذن جبريل فيسأل: من؟ فيقول: جبريل، يقولون: ومن معك؟ يقول: محمد صلى الله عليه وسلم، يقولون: وقد أذن له؟ يقول: نعم، فيفتح له ويرحب به أهل السماء والأنبياء الذين في هذه السماء.

حديث آخر لـ أبي ذر رضي الله عنه قال: (خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحده، فجعلت أمشي في ظل القمر فالتفت إلي فرآني)، النبي صلى الله عليه وسلم خرج بالليل لحاجة من حاجاته صلى الله عليه وسلم، فـ أبو ذر وجده، وقد كان حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم يدفعهم إلى أن يكونوا معه، ولكن أيضاً لعله في حاجة من الحوائج لا يريد أن يزعجه أبو ذر، فمشى وراء النبي صلى الله عليه وسلم، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم وكان قليل الالتفات، ما كان يلتفت وهو ماشٍ بالطريق، فلما شعر أن هناك أحداً يتتبعه التفت وقال: (من هذا؟ فقال: فقلت: أبو ذر) يعني: أنا أبو ذر فذكر اسمه، ففي هذا الحديث والذي قبله أن الإنسان إذا سُئل: من؟ يقول: فلان أو أنا فلان.

وعن أم هانئ رضي الله عنها قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل وفاطمة تستره، فقال: (من هذه؟).

هذا في مكة لما فتح الله عز وجل على النبي صلى الله عليه وسلم مكة، فدخل في بيت وكانت فاطمة معه تستره في هذا البيت وهو يغتسل صلى الله عليه وسلم، فجاءت أم هانئ وهي بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم، واسمها: أم هانئ بنت أبي طالب أخت علي بن أبي طالب، وجعفر بن أبي طالب، وعقيل بن أبي طالب، فقال: (من هذه؟ فقالت: فقلت: أنا أم هانئ).

فيجوز للإنسان أن يقول: أنا فلان أو فلان مباشرة ويذكر اسمه، ويكره أن يقول: أنا فقط من غير أن يذكر اسمه.

وهذه الأحاديث كلها متفق عليها، وفي حديث آخر في الصحيحين عن جابر رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فدققت الباب، فقال: من ذا؟ فقلت: أنا)، هذا جابر بن عبد الله رضي الله عنه يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم ويدق الباب فقال: (من ذا؟ فقلت: أنا فقال: أنا أنا) يعني: كأنه ينكر عليه ذلك، يعني: ما عرفنا أنت من؟ وكأنه يقول له: أخبر أنا فلان! قال: (كأنه كرهه).

فيكره للإنسان إذا سئل من؟ أن يقول: أنا، أو أنه يحيل (من)، مثل البعض يدق الباب، فعندما يقال له: من؟ يقول: ليس عليك افتح، كذلك في جهاز التلفون، بعض الناس يتصلون بالتلفون فعندما تقول: من؟ يقول لك: أنا، أنت من؟ فالإنسان يتواضع، ويُعَرَّف باسمه.

وهذا مخالف لهذه الأحاديث التي ذكرناها عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، بل هو نفسه عليه الصلاة والسلام لما ذهب إلى سعد بن عبادة رضي الله عنه، وهو سيد الخزرج من الأنصار، فسلم النبي عليه الصلاة والسلام عليه والرجل يجيب من الداخل: وعليكم السلام؛ كي يكثر النبي صلى الله عليه وسلم من السلام، فسلَّم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات وانصرف، فلما انصرف كأنهم تحرجوا من ذلك فجرى سعد وراء النبي صلى الله عليه وسلم يقول: والله يا رسول الله! كنت أسمعك ولكن أردت أن تزيدنا من السلام، فنلنا البركة بهذا الشيء، فيخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الاستئذان ثلاثاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015