من الأحاديث التي جاءت حديث لـ أبي هريرة رضي الله عنه رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه) يعني: كان فيه لغو كثير وكلام كثير، وليس معناه: أنهم قاعدون يشتمون الناس أو يعصون الله، قال: (من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك).
فالله عز وجل يغفر له ما كان في مجلسه ذلك من اللغط أي: من كثرة الكلام فيما يعني وفيما لا يعني، والإنسان يحاسب نفسه على ما يتكلم به، فإذا جلس في مجلس مع الناس فالأصل أن المؤمن يعلم أنه ما خلق إلا لعبادة الله سبحانه، والأصل أن يذكر الله سبحانه، وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فإذا جلس في المجلس فضحك كثيراً وكثر كلامه ناسياً، ثم تذكر في آخر مجلسه فليقل: (سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك) إذا جلس العبد في مجلس ولم يذكر الله سبحانه فليقل: سبحانك! أسأنا في حقك! نقدسك يا ربنا! نجلك أن نجلس في مكان ولا نذكرك فيه، أخطأنا بذلك، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك.
أي: أسبحك وأقدسك وأحمدك يا رب، أشهد أن لا إله إلا أنت -كلمة التوحيد- أستغفرك وأتوب إليك، قال: (إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك).
حديث آخر عن أبي برزة في المعنى نفسه، يقول رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بأخرة إذا أراد أن يقوم من المجلس)، (يقول بأخرة) في النهاية، وكأنه في الأول بعدما هاجر إلى المدينة صلوات الله وسلامه عليه مكث فترة فيها لم يكن يقول ذلك، وفي النهاية قرب آخر حياته صلى الله عليه وسلم كان يقول هذا الذكر، فهذا معنى (بأخرة) يعني: في آخر عمره صلى الله عليه وسلم، فكان يقول: (سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك)، وهل يعقل أن النبي صلى الله عليه وسلم سيجلس في مكان يكون فيه ذنوب؟! مستحيل أن يجلس في مجلس كهذ، ولكنه كان يجلس مع أصحابه صلى الله عليه وسلم، وكان يحب أن يذكرهم بذلك، فهو إذا جلس في مجلس إما أن يذكر الله سبحانه تبارك وتعالى في سره أو يذكر الله عز وجل مع أصحابه، ويعودهم أن يقولوا ذلك في ختام المجلس.
فقالوا: (يا رسول الله! إنك لتقول قولاً ما كنت تقوله فيما مضى؟)، ما هو الذي حصل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (ذلك كفارة لما يكون في المجلس).
قد تكون أنت في المجلس ولم تسئ، ولكن أحد الجالسين أساء فيلزمك أن تنهى عن المنكر، فإذا تجاوزت وسكت يكون ذلك الذكر كفارة لسكوتك، وكفارة لهذا المجلس الذي شهدته.