الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الإمام النووي رحمه الله: [باب في آداب المجلس والجليس.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قام أحدكم من مجلس ثم رجع إليه فهو أحق به) رواه مسلم.
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (كنا إذا أتينا النبي صلى الله عليه وسلم جلس أحدنا حيث ينتهي) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن.
وعن أبي عبد الله سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى) رواه البخاري].
هذا باب من أبواب رياض الصالحين يذكر فيه الإمام النووي بعض آداب المجلس والجليس، وآداب المجلس كثيرة، والإنسان إذا جلس في مجلس فتأدب بالأدب الشرعي في هذا المجلس كان خارجاً منه وقد غفر الله عز وجل له ما كان من ذنوبه، فيكفر الله عنه من سيئاته ويغفر له ذنوبه.
جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده).
فهذا مجلس من المجالس فيه ذكر لله سبحانه تبارك وتعالى، يجتمع فيه العباد، فتنزل السكينة من عند الله سبحانه، وتحف الملائكة هذا المجلس، وتتغشاهم الرحمة أي: تغطيهم رحمة الله سبحانه تبارك وتعالى، ويذكرهم الله سبحانه فيمن عنده.
فكلما التزم المؤمن بالأدب في المجلس كان أحب إلى الجالسين، وكان قريباً من ربه سبحانه، وغفر الله له ذنبه، فمن هذه الآداب أن الإنسان إذا جلس في مجلس لا يفرق بين اثنين، وهذا قدمناه قبل ذلك، أي: أن يوسع الثاني ليجلس هو بين الاثنين، وإنما يستأذن ويقول: تفسحوا وتوسعوا، فيفسح له الناس في المكان الذي يفسحون له فيه فيجلس في هذا المكان، قال الله: {إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} [المجادلة:11] إذا أردت أن تجلس فتأتي حيث ينتهي المجلس وتقول: تفسحوا، يفسح لك الناس من الجانب هذا فتجلس حيث وسعوا لك.
أيضاً ذكرنا قبل ذلك حديث ابن عمر: (لا يقيمن أحدكم رجلاً من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن توسعوا وتفسحوا) يعني: لا يليق بإنسان أن يقيم أحداً من أجل أن يجلس مكانه، وأيضاً لا يجلس مكان أحدهم، وإنما يتوسعون ويتراحمون فيما بينهم، ويفسح بعضهم لبعض.