من الأحاديث الواردة في آداب المجلس والجليس، حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقيمن أحدكم رجلاً من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن توسعوا وتفسحوا، وكان ابن عمر إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس فيه) متفق عليه.
هذا الحديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه أدب من آداب المجلس، فليس لأحد أن يقيم رجلاً من مجلس ليجلس مكانه، بل نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تجلس بين اثنين إلا بإذنهما.
إذاً: على المسلم أن يتأدب حين يجلس فلا ينازع أحداً في مجلسه ولا يضايق أحداً في مجلسه وإنما يستأذن فإن أذن له جلس بجواره، وإن لم يأذن له فليجلس حيث يوسع له ولا يضايق أحداً في مجلسه.
فقال هنا صلى الله عليه وسلم: (لا يقيمن أحدكم رجلاً من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن توسعوا وتفسحوا) فأحياناً تكون المجالس واسعة، وفيها من يجلس ماداً رجليه بحيث لا يبقي مكاناً لأحد، فإذا جاءه من يقول: تفسحوا وتوسعوا ويستأذن للجلوس فيقول له: هذا المكان لي ابحث لك عن مكان آخر، كثير من الناس يفعلون هذا الشيء! وللأسف نرى مثل هذا حتى في الحرم، فإذا جاء من يطلب منه أن يفسح له قال: أنا أعتكف هنا، اذهب وابحث عن مكان آخر! فيفعل هذا في بيت الله الذي يفترض أن يكون الإنسان فيه أخشع ما يكون، لعظم هذا المكان.
فالإنسان المؤمن يتعلم الأدب الشرعي من النبي صلى الله عليه وسلم في كيفية جلوسه وفي أمره لنا بالتفسح، بل ربنا سبحانه قالها في القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} [المجادلة:11] فإذا كنت جالساً في مجلس وكان بجانبك مكان يسع إنساناً فأجلس هذا الإنسان، وتصور أنك في مكانه وجئت تقول للناس: تفسحوا، فهل ترضى أن يمنعك أحد من الجلوس؟ فما لا ترضاه لنفسك لا ترضه لغيرك.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولكن توسعوا وتفسحوا، وكان ابن عمر إذا قام له رجل من مجلس لم يجلس فيه) فـ عبد الله بن عمر رضي الله عنه إذا جاء ليجلس وقام رجل من أجل أن يجلس مكانه فإنه لا يرضى أن يجلس فيه ليعلم الناس ويؤدب نفسه، فيعلم الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الآتي أن يقيم غيره لذلك هو لم يقم أحداً، وهم مع احترامهم لـ عبد الله بن عمر يفعلون ذلك، ولكن هو يخاف على نفسه من الغرور.
فلا تفرح أيها المسلم إذا قام الناس لك ولا تطلب مثل ذلك، بل جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سره أن يتمثل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار)، فالذي يفرح بقيام الناس له يحضر نفسه للنار والعياذ بالله.
فالإنسان المؤمن إذا قام له الناس فلا يفرح بذلك، ولكن إذا قاموا له من مجلس فلا يجلس فيه كما فعل ابن عمر رضي الله عنه، ولو فرضنا أنه جلس فهل عليه إثم؟ لا، ليس عليه إثم، فصاحب المجلس أذن له فيه فلا مانع من أن يجلس، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على السيدة فاطمة في بيتها قامت له وقبلته صلى الله عليه وسلم وأجلسته مكانها، وكان هو يفعل ذلك مع ابنته صلوات الله وسلامه عليه، فهذا من باب المحبة لكن إذا كان من باب الترفع على الناس وأنه أولى من غيره بأن يكون خلف الإمام أو حتى مكان الإمام فهذا الذي جاء فيه الوعيد.
والنبي صلى الله عليه وسلم حدد مواصفات الإمام فقال: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإذا كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإذا كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة) إذاً: لا يأتي إنسان يتعدى على الإمام ويتقدم عليه في مكانه.
كذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فيمن يكون خلف الإمام: (ليليني منكم أولو الأحلام والنهى) فإذا كان الإمام في الصلاة وجاء إنسان وراءه فلا بد أن يكون حافظاً للقرآن فلعل الإمام يحدث في الصلاة فيكون وراءه من يتقدم فيصلي بالناس مكان الإمام، ولعل الإمام يخطئ في الصلاة فيكون من هؤلاء من يرد الإمام عن ذلك الخطأ الذي وقع فيه.
إذاً: على الإنسان إذا وقف في هذا المكان وجاء من هو أولى منه فالأولى له أن يفسح له، وإذا كان الإنسان يعرف أن هذا المكان ليس مكانه فلا يقف فيه حتى لا يحرجه أحد في ذلك، فهنا النبي صلى الله عليه وسلم يعلم المؤمن أن يتواضع وألا يطلب من أحد أن يقوم له إلا أن يكون لأمر شرعي، والله أعلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.