عن قيلة بنت مخرمة رضي الله عنها قالت: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو قاعد القرفصاء) يعني: جلسة الاحتباء، فهذه المرأة لما نظرت للنبي صلى الله عليه وسلم أخذها المنظر، وكأنها تقول: هذا رسول الله الذي نسمع عنه الرسول العظيم يجلس هذه الجلسة على الأرض بينما كسرى وقيصر والنجاشي وغيرهم من الملوك يجلسون على العروش فقالت هنا: (فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المتخشع في الجلسة أرعدت من الفرق) أرعدت لهيئة النبي صلى الله عليه وسلم، أي: من الخوف من الله سبحانه، ومن إجلال النبي صلى الله عليه وسلم وهو على هذه الهيئة عليه الصلاة والسلام.
وجاءت رواية لهذا الحديث عند الطبراني بإسناد لا بأس به وذكرها الحافظ ابن حجر في الفتح قالت: (فجاء رجل فقال: السلام عليك يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام ورحمة الله، وعليه أسمال مليتين) يعني: هذه كانت هيئة النبي صلى الله عليه وسلم والأسمال جمع سمل: وهو الثوب البالي، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس إزاراً ورداء باليين.
قالت: (وعليه أسمال مليتين كانتا بزعفران فنفضتا) يعني: كأن الملايتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسهما كانتا في الماضي عليهما لون الزعفران، ولكن مع القدم والبلى ما عاد عليها شيء من هذا اللون، قالت المرأة: (وبيده عسيب نخلة مقشرة قاعداً القرفصاء، فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المتخشع في الجلسة أرعدت من الفرق، فقال له جليسه: يا رسول الله! أرعدت المسكينة) يعني: المرأة صارت ترتعش لما رأت النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الهيئة وهو لم ينظر إليها صلوات الله وسلامه عليه، فالرجل الذي معها يقول: المرأة أرعدت من هيئتك يا رسول الله، عليه الصلاة والسلام فقال: (أرعدت المسكينة فقال ولم ينظر إلي: يا مسكينة عليك السكينة) فدعا لها النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (يا مسكينة عليك السكينة قالت: فذهب عني ما أجد من الرعب)، وإنما كان رعب المرأة حين رأت النبي صلى الله عليه وسلم يجلس جلسة إنسان متواضع لله سبحانه في غاية الخشوع وغاية السكينة عليه الصلاة والسلام، فهيئته صلى الله عليه وسلم جعلت المرأة تخشع لله سبحانه، وتخاف وتهاب النبي صلى الله عليه وسلم وتجله.