من الأحاديث حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء) وهذا الحديث يقول عنه النووي: صحيح، وقد رواه الإمام أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة.
والحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفجر تربع في مجلسه، فكانت عادة عنده صلى الله عليه وسلم أو كثيراً ما يصنع ذلك، إلا إذا انشغل بشيء عليه الصلاة والسلام، فكان يجلس متربعاً، وجلسة التربع جلسة معروفة، فكان يجلس على هذه الهيئة صلى الله عليه وسلم حتى تطلع الشمس حسناء، وهذه الهيئة فيها أدب، فمن يجلس متربعاً غير الجالس وقد مدد رجليه، وغير النائم على ظهره واضعاً إحدى رجليه على الأخرى، فحال النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفجر جلس متربعاً صلى الله عليه وسلم، فهل يا ترى نقدر الآن أن نجلس هذه الجلسة من بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس؟ هذه المدة تقدر بحوالى ساعة وربع إلى ساعة ونصف، فيقول الراوي هنا وهو جابر بن سمرة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء)، والمعنى: أنه لا يصلي بمجرد أن تطلع الشمس؛ لأن هذا وقت يحرم فيه الصلاة؛ لكن بعد أن يبدو قرص الشمس ثم ترتفع شيئاً فوق الأرض، وهذا يكون بعد حوالى ثلث الساعة من طلوع قرصها كاملاً فعندها يجوز لك أن تصلي صلاة الضحى، فكان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، وقد جاء فضل ذلك في حديث رواه الترمذي وغيره من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى الغداة في جماعة - يعني: صلاة الفجر في جماعة - ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة قال: تامة، تامة، تامة).
فيمكن للإنسان أن يحصل كل يوم أجر حجة وعمرة، وإن كان هذا لا يغني عن حجة الإسلام، ولا عن عمرة الإسلام، ولكن الأجر يساوي أجر حجة، وأجر عمرة، وكم نفرط في مثل ذلك من غير سبب! وعلى المؤمن أن يحاول أن يكسب الثواب قدر المستطاع، وكما ذكرنا قبل ذلك فإن الإنسان لا ينظر في العبادة إلى من هو دونه، ولكن الأسوة الحسنة والقدوة العظيمة هو النبي صلوات الله وسلامه عليه، فافعل ما فعله صلى الله عليه وسلم، إذا رأيت غيرك يفرط في مثل هذا الأجر فالتمس له العذر، فلعل لديه ما يشغله أو أنه لم ينم بالليل ويحتاج لأن ينام الآن، فأنت عليك بنفسك، فإذا كان عندك الوقت لتفعل هذا الشيء فلا تفرط في هذا الثواب، ففي الحديث: (من صلى) و (من) من ألفاظ العموم أي: أي أحد سواء كان رجلاً أو امرأة (الغداة في جماعة ثم قعد) فهذا يصلي صلاة الفجر في جماعة في المسجد في بيت الله سبحانه، وحتى لو كان في مكان لا يوجد فيه مسجد والناس اجتمعوا في بيت من البيوت وصلوا الجماعة فله نفس الحكم؛ لأنه لم يقل: لا بد أن يكون في مسجد بحيث لو لم يكن في مسجد فإنه سيضيع هذا الأجر، فإذا صلوا في جماعة وجلسوا حتى تطلع الشمس ثم صلى الواحد منهم ركعتين كان له أجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة، ومن فضل الله سبحانه وتعالى على المؤمن أنه يعطيه الأجور العظيمة على أعمال يسيرة، فحين يتذكر الإنسان ما في الحج من مشاق ويعلم أنه يمكن أن يدرك هذا الأجر عندما يصلي صلاة الفجر في جماعة، ثم يجلس يذكر الله حتى تشرق الشمس، فإنه عند ذلك لن يفرط في مثل هذا الثواب، لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم في غالب أحواله يجلس في مجلسه حتى تطلع الشمس ثم يصلي ركعتين.
قال: (من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين) يعني: انتظر في مكانه الذي هو فيه حتى يصلي الركعتين كان له من الأجر العظيم كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة.
والحديث مختص بمن صلى في جماعة، فلو أن المرأة صلت ببناتها في بيتها جماعة وجلسن يذكرن الله سبحانه حتى ذلك الوقت وصلين ركعتين لكان لهن مثل هذا الأجر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط على النساء الصلاة في المسجد: (صلاة المرأة في بيتها خير لها من صلاتها في مسجدها) فعلى ذلك يكون لهن نفس هذا الأجر إن فعلن ذلك.
لكن صلاة الرجل لا بد أن تكون في المسجد حيث ينادى بالصلاة، ويجلس في المسجد يذكر الله سبحانه، أما إذا كان البلد لا يوجد فيه مسجد فله العذر في أن يصلي مع الجماعة في أي مكان ثم يجلسون حتى تطلع الشمس فينالون ذلك الأجر.
والغرض من الحديث: بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس هذه الفترة متربعاً صلى الله عليه وسلم، وهذه من الجلسات الفاضلة في الجلوس، فالإنسان عندما يجلس جلسة التشهد فهذه جلسة عظيمة وجلسة التربع تليها.