من الأحاديث حديث متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، فإذا طلع الفجر صلى ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يجيء المؤذن فيؤذنه) متفق عليه.
فكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم قيام الليل عليه الصلاة والسلام دائماً، فمن أول ما أنزل الله عز وجل عليه: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل:1 - 2] قام صلى الله عليه وسلم قياماً طويلاً لله سبحانه؛ لأنه قال: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل:2] فكان يقوم أكثر الليل، بل قد يقوم كل الليل، وكان المؤمنون على هذه الحالة أيضاً إلى أن نزل التيسير على النبي صلى الله عليه وسلم، فعلم الله بضعف هؤلاء، وعلم أنهم سيلهيهم قيام الليل عن أشياء من جهاد في سبيل الله، وطلب للرزق، فإذا بالله سبحانه وتعالى يخفف ذلك ويقول: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل:20].
فبدلاً من قيام الليل كله كما أمرهم الله بقوله: {نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل:3 - 4] خفف الله سبحانه وتعالى على نبيه وعلى المؤمنين، ولكن مع ذلك كان يقوم ليلاً طويلاً عليه الصلاة والسلام، فيصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، فإذا طلع الفجر صلى ركعتين، ولم تكن هذه الإحدى عشرة ركعة يصليها متتابعة، بل كان يصلي ثم يستريح حتى يقوم لمثلها عليه الصلاة والسلام، فيصلي أربعاً تقول السيدة عائشة عنهن: (فلا تسأل عن حسنهن وطولهن).
فينام صلى الله عليه وسلم ثم يقوم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم ينام ويقوم فيوتر بثلاث صلوات الله وسلامه عليه.
تقول: (فإذا طلع الفجر صلى ركعتين خفيفتين)، فهنا ليل طويل يصليه صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا طلع الفجر وأذن المؤذن لصلاة الفجر صلى سنة الفجر ركعتين خفيفتين، وما كان يطول في سنة الفجر، بل كان يقرأ قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد بعد الفاتحة، بل إنه مع سرعته في الركعتين تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: (لا أدري أقرأ فيهن بفاتحة الكتاب أم لا) يعني: سنة النبي صلى الله عليه وسلم الإطالة في قيام الليل والتقصير في سنة الفجر.
ولا يستحب أن يزاد على ركعتين، ولو استحب ذلك لفعله النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن كان يصلي سنة الفجر في بيته عليه الصلاة والسلام، ثم يضطجع ويستريح من عناء الليل والقيام الطويل لكن بدون نوم، فكان إذا وجد امرأته مستيقظة في هذا الوقت كلمها صلى الله عليه وسلم، فإذا كانت نائمة اضطجع صلى الله عليه وسلم، ثم يقوم ليصلي صلوات الله وسلامه عليه، بل كان ينهى عن صلاة فوق الركعتين بعد الأذان، فيقول: (لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتين).
فإذا كنت في المسجد وأذن المؤذن للفجر الصادق، فصل ركعتين فقط، وليس من السنة أن تصلي ركعتين في ركعتين، بل ذهب بعض أهل العلم كالحنابلة إلى أنه يحرم الزيادة على الركعتين.
لكن لعل إنساناً دخل المسجد فصلى تحية المسجد ولم ينو سنة الفجر فله أن يقوم ويصلي سنة الفجر بعد ذلك، ولك إذا دخلت أن تنوي الاثنتين صلاة تحية المسجد وسنة الفجر، وتسرع فيها وتجلس تنتظر إقامة الصلاة.
قالت: (ثم اضطجع على شقه الأيمن)، وهذا الشاهد من الحديث وهو أنه نام على شقه الأيمن وإن كان لم ينم حقيقة، وقولها: (حتى يجيء المؤذن فيؤذنه)؛ لأنه كان في غرفته صلى الله عليه وسلم، ولم يكن في المسجد سرج ولا أشياء يضيئون بها المسجد، فكان بلال ينتظر حتى يكتمل عدد المصلين مع النبي صلى الله عليه وسلم على وقته المعتاد فيذهب عند بيت النبي صلى الله عليه وسلم فيؤذنه بأنه سيقيم الصلاة، ومعنى يؤذنه أي: يعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيقيم الصلاة.