قد يرخص ما حرمه الله سبحانه وتعالى لسبب ما، ولكن الرخصة لا تأخذ حكم الإنسان في حالته العادية، ولكن الرخصة تقدر بقدرها، والعزيمة أنه يحرم عليك أن تلبس الذهب أو الحرير.
قال النووي: [باب جواز لبس الحرير لمن به حكة]، والحكة: المرض الجلدي، مأخوذ من الاحتكاك، وغالباً ما يطلق على مرض الجرب.
هذا الشيء الوحيد الذي ممكن أن يلبسه ويكون خفيفاً على الجلد، ولا يسخن جلد الإنسان، وكانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم الدواء صعب لمن عنده جرب، فرخص النبي صلى الله عليه وسلم مع هذه الضرورة في لبس الحرير.
في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما في لبس الحرير لحكة بهما) يعني: الله ابتلاه بهذا المرض الجلدي، والصوف والقطن لا يناسبهما، فالنبي صلى الله عليه وسلم رخص لهما في لبس الحرير.
هذا ما جاء في باب الرخصة، ولا يؤخذ به في عموم الأحوال، ولكن يؤخذ به في وقت الاحتياج فقط.
كذلك الذهب يرخص فيه لاستبدال عضو من الأعضاء كعظم من العظام كالمفاصل ونحوها، ولذلك جاء في حديث عرفجة أنه قطعت أنفه في يوم كلاب -حرب من الحروب الجاهلية- فاتخذ أنفاً من فضة فأنتنت عليه، يعني: كأن عظام أنفه اقتطعت أو أنفه كلها قطعت، فوضعوا له فضة بدلاً عنها فأنتنت عليه وما نفعته، فاستبدلها بذهب وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.
ففيه أنه قد يستخدم الذهب في عظم الإنسان يستبدل به إذا كان يصلح في ذلك كمفصل ونحوه، أو كالأسنان، وكان الصحابة يشدون أسنانهم بالذهب رضي الله تبارك وتعالى عنهم، ويرون أن هذا من باب التطبب، وأنهم يحتاجون إلى ذلك طباً، فهذا جائز ولا شيء فيه، أما من يلبسه على وجه الزينة فهو غير جائز.
إذاً: منعنا النبي صلى الله عليه وسلم من الذهب والحرير للرجال، كما أنه نهى صلى الله عليه وسلم عن جلود السباع، وقد اختلف الفقهاء فيما يطهر منها، فذهبوا إلى أن المأكول من بهيمة الأنعام يجوز أنك إذا ذبحتها أن تأخذ جلدها وتدبغه وتلبسه وتفترشه.
وإذا ماتت بهيمة الأنعام فأيضاً الجمهور على الجواز، لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (هلا أخذتم إيهابها فدبغتموه.
فقالوا: إنما هي ميتة، قال: إنما حرم لحمها).
إذاً: جلود الأنعام التي ماتت كالبعير والبقرة والغنمة يجوز أن تؤخذ وتسلخ وتدبغ وينتفع بها، لكن إذا كانت سباعاً فهذا غير جائز، لعله إذا ذبحه يأتي أناس يأكلوه، فيستحلون ما حرم الله عز وجل، فمنعنا ابتداءً من ذلك، لا جلد السبع وهو مذبوح ولا وهو غير مذبوح.
وهل جلد السبع نجس أم لا؟ لا شك أنه إذا كان ميتة أو مأخوذ منه سواء ذبح أم لم يذبح فهو نجس، ولكن قد يدخل في عموم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما إيهاب دبغ فقد طهر)، ففرق بين أنه دبغ وطهر، وبين أن يأخذه الإنسان فيستعمله، هذا الذي منع منه النبي صلوات الله وسلامه عليه.