كان هذا الصحابي رضي الله عنه منشغلاً بهذه الأذكار، قال: (فمر بنا -ونحن عند أبي الدرداء -فقال له أبو الدرداء: كلمة تنفعنا ولا تضرك) وأبو الدرداء رجل فاضل، وصحابي عظيم رضي الله عنه، وعالم من علماء المسلمين فيقول له: كلمة، يعني: اجلس وقل لنا كلمة أو حدثنا حديثاً ينفعنا ولا يضرك.
ولم يقل له: تعال اجلس معنا لنضيع الوقت مع بعضنا، فجلس لهم هذا الرجل الفاضل رضي الله عنه وقال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فقدمت فجاء رجل منهم فجلس في المجلس الذي يجلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرجل إلى جنبه: لو رأيتنا حين التقينا نحن والعدو فحمل فلان وطعن وقال: خذها مني وأنا الغلام الغفاري).
يعني: أنه ضرب كافراً برمحه وقال له: خذها وأنا الغلام الغفاري، فانتسب لقومه، فهل جهاده صحيح أم لا؟ فقال أحد الجالسين: (ما أراه إلا قد بطل أجره)؛ لأنه افتخر بنسبه فبطل أجره.
قال: (فسمع بذلك آخر فقال: ما أرى بذلك بأساً) فتنازع الاثنان إلى أن سمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: (سبحان الله! لا بأس أن يؤجر ويحمد).
ففي موضع القتال لا مانع من التنافس؛ لأنه في النهاية نصر للإسلام ونصر لدين الله عز وجل، فجاز للمجاهد أن يظهر القوة أمام الكافر ولو بالخيلاء، حتى يرهب عدو الله سبحانه تبارك وتعالى.
فقال الراوي: (فرأيت أبا الدرداء سر بذلك وجعل يرفع رأسه إليه ويقول: أنت سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقول: نعم، فيكرر عليه: أنت سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقول: نعم، قال: فما زال يعيد عليه حتى إني لأقول ليبركن على ركبتيه).
يعني: من شدة فرح أبي الدرداء بهذا الحديث وأن الرجل لم يبطل عمله، وكأنه شاهد الكثيرين يفعلون ذلك، فلما سمع ذلك فرح أن هؤلاء لم تحبط أعمالهم رضي الله عنهم فقال ذلك.
قال: (فمر بنا يوماً آخر) أي: في يوم آخر.
(فقال له أبو الدرداء: كلمة تنفعنا ولا تضرك) أي: مثل الكلمة السابقة، وهل أبو الدرداء لم يكن يحفظ أحاديث يحدث بها؟ فهذا دليل على أن العلم مطلوب للعالم والمتعلم، فقد روى أبو الدرداء أحاديث كثيرة جداً أكثر مما روى ابن الحنظلية رضي الله عنهما، لكنه مع ذلك أحب أن يستفيد علماً إلى علمه من علم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: قل لنا كلمة تنفعنا ولا تضرك.