عن البراء رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مربوعاً) المربوع الوسط، لا هو طويل طولاً بائناً، ولا قصيراً قصراً بائناً، لكنه كان وسطاً وإلى الطول أقرب عليه الصلاة والسلام.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مشى مع أصحابه ومنهم الطويل ومنهم القصير، فالناظر إليهم لا يجد أحداً يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان ربعة من الرجال ومع ذلك كان إذا مشى مع إنسان طويل فكأن النبي صلى الله عليه وسلم أطول من هذا الذي يمشي معه عليه الصلاة والسلام! قال: (ولقد رأيته في حلة حمراء ما رأيت شيئاً قط أحسن منه) كان أجمل الخلق عليه الصلاة السلام، فنظر إليه البراء بن عازب وهو لابس حلة حمراء، قال بعض العلماء: يعني: كلها حمراء، وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: فيها لون غير الأحمر؛ لأنه يرى أن لبس الرجل للون الأحمر ممنوع منه، ويحرم على الرجل أن يلبس الثوب الأحمر القاني الذي ليس معه لون آخر.
ودليل ابن القيم رحمه الله على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن المعصفر من الثياب) المعصفر: هو الذي لونه أحمر، والصواب: أن اللون الأحمر ليس محرماً؛ لأنه ثبت في حديث البراء وفي حديث أبي جحيفة أيضاً: أنه لبسه النبي صلى الله عليه وسلم، ومسألة أن فيه لوناً آخر غير الأحمر هذا يحتاج إلى دليل ونقل من اللغة العربية أن البرد لا يكون إلا لونين، ونهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المعصفر يخص الذي صبغ بنبات العصفر، وهو يصبغ لوناً أحمر، فهذا هو الأحمر المحرم دون غيره؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس الأحمر غير المعصفر، فعن أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وهو بالأبطح في قبة له حمراء من أدم) والأبطح مكان في مكة مأخوذ من البطحاء، والبطحاء الحصباء وهي الحجارة الصغيرة، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى من مناسك حجه صلى الله عليه وسلم انتقل إلى البطحاء، فهو رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبة حمراء من أدم، والقبة هي الخيمة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها، وكانت من جلد ولونها أحمر.
قال: (فخرج بلال بوضوئه) يعني: بالماء الذي توضأ به صلى الله عليه وسلم، قال: (فمن ناضح ونائل) يعني: كل يأخذ منه ليتبرك بأثر النبي صلى الله عليه وسلم، فيأخذ منه شيئاً فينضح على ثوبه من الماء الذي توضأ منه النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: (فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وعليه حلة حمراء كأني أنظر إلى بياض ساقيه) يعني: كان لابساً عليه الصلاة والسلام لحلة حمراء، وما كانت مجرجرة على الأرض؛ لأنه رأى بياض ساقي النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كانت تخفي الكعبين لما قال: (رأيت ساقيه، فقد كانت حلته صلى الله عليه وسلم مرفوعة عن الكعبين قليلاً بحيث يبدو الساق.
قال: فتوضأ وأذن بلال، فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا يقول يميناً وشمالاً: حي على الصلاة حي على الفلاح ثم ركزت له عنزة) كان بلال يؤذن ويقول يميناً وشمالاً: حي على الصلاة حي على الفلاح؛ ليسمع الجميع.
قال: (ثم ركزت له عنزة) يعني: ركزت للنبي صلى الله عليه وسلم، والعنزة عكازة صغيرة، وكان يحمل العنزة أحد أصحابه عليه الصلاة والسلام، فإذا أراد أن يصلي في صحراء ونحوها ولا توجد له سترة، فكان يركز له العنزة في الأرض.
إذاً: من السنة أن المصلي لا يصلي إلى الفراغ، ولكن يصلي إلى شيء قدامه مثل عمود، أو إنسان جالس أمامه، أو أي شيء يجعله سترة من نحو عكاز ونحوه، فالنبي صلى الله عليه وسلم ركزت له هذه العنزة فتقدم فصلى عليه الصلاة والسلام إليها.
قال: (يمر بين يديه الكلب والحمار ولا يمنعه) يعني: من وراء السترة، فإذا صليت وأمامك سترة ثم مر شيء من أمام السترة فلا شيء في ذلك.
ولماذا قال: (يمر بين يديه الكلب والحمار)؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن مما يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة الحائض، ومعنى يقطع أي: ينقص من صلاة المصلي، فكان يمر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من وراء العنزة، فطالما السترة موجودة فلا يضر ما مر من ورائها.
وهذا الحديث متفق عليه.