الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الإمام النووي رحمه الله: [باب كراهة الشرب من فم القربة ونحوها، وبيان أنه كراهة تنزيه لا تحريم.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اختناث الأسقية يعني: أن تكسر أفواهها، ويشرب منها) متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشرب من فيّ السقاء أو القربة) متفق عليه.
وعن أم ثابت كبشة بنت ثابت أخت حسان بن ثابت رضي الله عنه وعنها قالت: (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب من في قربة معلقة قائمة، فقمت إلى فيها فقطعته) رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح].
هذا باب يذكره الإمام النووي من أبواب الآداب في الطعام والشراب، وذكر هنا كراهة الشرب من فم القربة ونحوها، والقربة سقاء يكون من جلد، يملؤه صاحبه بماء كثير، وقد تكفي القربة أياماً يشرب منها.
فلو أن الناس تعودوا على الشرب من فم القربة وهي ستمكث معهم أياماً فإن رائحة النفس ستكون بداخلها مما يؤذي بعضهم بعضاً بذلك.
فنهانا النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الأمر، وأرشد إلى إفراغ الماء المطلوب من القربة على شيء آخر ثم الشرب من هذا الشيء الآخر.
ويمكن أن تكون هناك حكمة أخرى وهي أن الشارب من في السقاء يمكن أن يؤذي نفسه بأن يرفع السقاء وهو كبير إلى فيه فينزل الماء متدفقاً على وجهه وفيه وأنفه مما يؤدي به إلى أن يغص نفسه بالماء، فينهاك الشارع لهذه العلة أيضاً.
أمر آخر وهو أن أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شرب من فم القربة فنزلت حية إلى فمه، وكأن القربة ما كانت مربوطة بإحكام مما أدى إلى دخول الحية فيها، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الشرب من فم القربة.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اختناث الأسقية)، الأسقية: جمع سقاء، وهي القرب والأوعية التي يوضع فيها الماء، وتكون متخذة من الجلد غالباً.
ومعنى: (اختناث الأسقية) أي: أن تكسر أفواهها ويشرب منها.
وهذا الحكم يجري كذلك في كل إناء كبير يوضع فيه الماء.
واكتشف حديثاً في الأبحاث الطبية أن على فم الإنسان آلاف بل ملايين من أنواع الجراثيم، فلو أن إنساناً فيه مرض معين في فمه، أو معدته، أو أمعائه، ثم صعد ميكروب إلى فمه، فلعله إن شرب من في السقاء ينزل الميكروب في هذا فيؤذي غيره، ولعله يكون حاملاً للمرض فقط، وما يكون هذا الإنسان مريضاً به، فعندما يشرب من فم القربة ينتقل هذا المرض لغيره، مما يؤدي إلى إيذاء أناس كثيرين بهذا الشيء؛ فلذلك النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك.
ولكن قد يحتاج الإنسان إلى الشرب من فم السقاء، أو قد يكون الماء في القربة قليلاً فيشربه كاملاً من فم القربة، فعند ذلك لا بأس بهذا الأمر، ولذلك فعلها النبي صلى الله عليه وسلم مرة.
وقول أبي هريرة: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشرب من في السقاء) أي: من فم السقاء، فكلمة في بمعنى: فم.
وقوله: (من في السقاء أو القربة) القربة هي السقاء.