في قوله تعالى: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الأنعام:52] إلى قوله: {فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:52].
جاء أن الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجداه مع صهيب وبلال وعمار وخباب في ناس من ضعفاء المؤمنين.
وانظروا لجلسة النبي صلى الله عليه وسلم مع هؤلاء الفقراء من المسلمين السابقين، والأقرع بن حابس سيد بني تميم، وعيينة بن حصن سيد بني فزارة قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم وكل واحد منهم يريد أن يجلس تحت قبة أو في مجلس تتكلم العرب بمثله.
انظروا إلى الفرق بين ضعفاء المسلمين الأفاضل الذي كرمهم الله عز وجل وشرفهم بحسن صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، وبالسبق في دين الله عز وجل وهم يتعلمون منه صلى الله عليه وسلم، فهذا صهيب الذي هاجر فقيراً من مكة إلى المدينة، كان له مال كثير فأخذه المشركون فتركه لهم وهاجر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: (ربح البيع أبا يحيى) فهذا يجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وبلال الذي كان عبداً فأعتقه أبو بكر رضي الله عنه وقد عذب عذاباً شديداً ومع ذلك هو الآن مع النبي صلوات الله وسلامه عليه.
وعمار الذي أوذي هو وأمه وأبوه رضي الله تبارك وتعالى عنهم، وقتلت أمه فكانت أول شهيدة في الإسلام.
وخباب كان ممن عذب عذاباً شديداً.
هؤلاء كانوا جالسين مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع ناس من ضعفاء المؤمنين، فجاء هذان الرجلان وكل منهما سيد في قومه، فكأنه لم يعجبهما أن يجلسا بين هؤلاء، فلما رأوهم حول النبي صلى الله عليه وسلم حقروهم، وقالوا له صلى الله عليه وسلم: إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلساً تعرف لنا به العرب فضلنا.
يعني: نريد أن نجلس معك جلسة بحيث يعرف الكل فضلنا، فنحن جئنا لنسلم، ونريد أن تشرفنا بمجلس منك، وينتشر خبر هذا المجلس بين الناس، وتكتب لنا كتاباً بهذا الذي تقوله؛ فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد.
انظروا إلى الاستكبار: (هؤلاء الأعبد) جمع عبد، وهم عبيد لله تبارك وتعالى، فهم أفضل من هذين.
لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان الأقرع بن حابس وأشباهه ممن ارتدوا ثم رجعوا إلى الإسلام بعد ذلك، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف أمثال هؤلاء، لكن الصحابة الأفاضل هم الذين قاوموا أمثال هؤلاء ليثبتوا على الإسلام.