الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
أما بعد: قال الإمام النووي رحمه الله: [باب استحباب الأكل بثلاث أصابع، واستحباب لعق الأصابع وكراهة مسحها قبل لعقها، واستحباب لعق القصعة وأخذ اللقمة التي تسقط منه وأكلها، ومسحها بعد اللعق بالساعد والقدم وغيرهما.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يمسح أصابعه حتى يلعقها أو يلعقها) متفق عليه.
وعن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع فإذا فرغ لعقها) رواه مسلم.
وعن جابر رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة، وقال: إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة) رواه مسلم.
وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها، ولا يدعها للشيطان، ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه البركة) رواه مسلم].
هذا باب آخر من أبواب آداب الطعام ذكر فيه الإمام النووي جملة من الآداب، منها: استحباب الأكل بثلاث أصابع، واستحباب لعق الأصابع، فالإنسان بعد الانتهاء من أكله لو بقي شيء من الإدام في أصابعه فإنه يلحسها بلسانه.
وكراهة مسحها قبل لعقها وهذا فعل الإنسان المترف المستغني فإنه بعد ما أكل يمسح يده في فوطة أو في شيء وما زال عليها بقايا من الأكل.
واستحباب لعق القصعة فإذا أكلت طعاماً فليكن الطعام في الطبق أو الصحن الذي تأكل فيه، فإذا انتهيت فالعق ما تبقى في الصحن من الإدام الباقي لعلة ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخذ اللقمة التي تسقط منه وأكلها، وجواز مسحها بعد اللعق بالساعد والقدم وغيرهما، فإذا سقطت على الإنسان اللقمة على الأرض فالمستحب أنه يأخذها ولا يتركها، وكذلك إذا انتهى من طعامه وبقي شيء بعد ما لعق يده جاز أن يمس يده في يده الأخرى إذا لم يجد ماء ومناديل يمسح بها، فعلى ذلك جاز مسح يده في يده الأخرى أو في ساعده أو في رجله.
والدين الإسلام دين عظيم، ودين فيه يسر، والإنسان الناظر إلى هذا الدين يجد فيه الذوقيات والأخلاق العظيمة الراقية، ومراعاة الجميع الغني والفقير، ومراعاة الأحوال، فقد تكون غنياً اليوم وفقيراً غداً فراع النعمة التي منحك الله سبحانه تبارك وتعالى، وحافظ عليها، وتأدب بآداب تنفعك في وقت غناك وفي وقت فقرك.
فهنا يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم المحافظة على نعمة الله سبحانه، فالمحافظ على النعمة جدير أن يحفظه الله عز وجل وأن يحفظ له النعمة التي في يده.
ولو زالت عنك هذه النعمة لا تلوم نفسك بأنه كانت عندي النعمة، وكنت أستكبر وأقعد آكل وأنا مضايق وآكل وأنا شبعان، وأرمي الأكل وإذا وقع مني ما يهمني، والآن أنا محتاج لهذا الشيء! ما تضيع النعم حتى لا تندم يوماً من الأيام على ما فاتك من نعم الله سبحانه أو على تقصيره في شأن هذه النعم.
والإنسان إما غني واجد، أو فقير فاقد، فعد نفسك أنك اليوم واجد، وغداً فاقد، فاعمل لهذا اليوم الذي سيأتي، تأدب بالأدب مع الله عز وجل ومع الخلق، فاليوم أنت موظف وغداً قد تفقد الوظيفة.
وعامل الخلق المعاملة التي سيدوم لك أثرها بعد ذلك من أنك في حياتك محبوب عند الناس وبعد وفاتك يدعون لك، كذلك مع نعم الله سبحانه، فحافظ على النعمة، فالنعمة موجودة فكل واشرب ولا تسرف، وتعود الآداب التي علمتك الشريعة كيف تصنع معها.
فنحن تركنا الآداب الشرعية وبدأنا ننظر للذوقيات الذي اخترعها الأجانب وإن كانوا قد يأخذون هذه الذوقيات من ديننا ومن أفعال النبي صلوات الله وسلامه عليه، فنحبها بعد ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها؛ ولأن الغرب أخذوا بها وعملوا بها فنعمل بها! فالأولى أن نعمل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم اتساءً واقتداء به صلى الله عليه وسلم، لنؤجر على هذا الشيء في اقتدائنا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وليحفظ الله لنا هذه النعم التي معنا.