من الأحاديث حديث لـ جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أهله الأدم، فقالوا: ما عندنا إلا خل).
الأدم جمع إدام، ويقال: إدام، ويقال: أدمة أيضاً في المفرد.
وهذا حديث رواه مسلم من حديث جابر ورواه أيضاً من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها، ففي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بالطريق فوجد جابراً رضي الله عنه تحت ظل بيت وكأنه استشعر أن جابر جائعاً، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتبعه، فتبع النبي صلى الله عليه وسلم فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم عند أهله، فسألهم عن الإدام، فقالوا: ما عندنا إلا خل، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم به ليأكل، وقال: (نعم الأدم الخل، نعم الأدم الخل) والإدام: هو الشيء الذي تغمس الخبز فيه، والإدام شيء يساعدك على ابتلاع الطعام واستساغته من زيت أو دهن أو غيره، فأكل النبي صلى الله عليه وسلم الخل وقال: (نعم الأدم الخل).
وأخبر جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه لم يزل يحبه منذ رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأكله، وقد غمس الخبز بالخل فأكله صلى الله عليه وسلم ومدحه أيضاً، فيستحب مدح الطعام فقد خلقه الله سبحانه وتعالى، وهو من فضله ومن رحمته على خلقه.
والمدح للخل يبين أن هناك فائدة كبيرة في الخل، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يمدحه إلا وهو يعلم فوائده، فقال: (نعم الأدم الخل) فأكله النبي صلى الله عليه وسلم وأكله جابر رضي الله عنه وبحث العلماء في ذلك.
يقول الخطابي والقاضي عياض: معنى مدح النبي صلى الله عليه وسلم: الاقتصاد في المأكل، ومنع النفس من ملاذ الأطعمة، فالإنسان يربي نفسه ويعود نفسه على القليل، وليس ضرورياً دائماً أن يكون ما يغمس فيه الإنسان خبزه شيئاً فاخراً عالياً، ولكن فليكن من الخل أحياناً كما فعل النبي صلوات الله وسلامه عليه، فقال تقديره: ائتدموا بالخل وما في معناه مما تخف مؤنته ولا يعز وجوده، أي: عود نفسك على أن تأكل من الطعام الموجود عند الناس فلو عودت نفسك على الغالي وعلى الفاخر فلعله يعز في زمن من الأزمان فلا تجد هذا الطعام، فعود نفسك على الشيء القليل حتى لا تظل متعلقاً بالشيء الغالي وقد لا تجده فيحدث في نفسك شيء، لا تتأنقوا في الشهوات فإنها مفسدة للدين، مسقمة للبدن.
ويقول العلماء أيضاً أن في هذا الحديث مدح للخل سواء عرفنا السبب في مدحه أم لم نعرف، لكن العلماء الذين بحثوا في أمر الخل الذي مدحه النبي صلى الله عليه وسلم وقال أنه نعم الأدم، قالوا: إنه لا بد أن يكون هناك فائدة للخل فقد ذكر في موسوعة من موسوعات الصيدلة وهي موسوعة مارتن بل الصيدلانية، ذكر فيها فوائد عديدة للخل، فقد قالوا: إن الخل له فوائد يدفعنا أن نأكل منه كما أكل النبي صلى الله عليه وسلم، فهو يستعمل كعلاج في معالجات حالات التسمم من المواد القلوية، وهو يفيد في علاج الحمى، فالإنسان الذي أصيب بحمى عاليه يساعد على أن ينزل درجة حرارته، وإذا استخدمت كمادات من ماء الخل على رأس الإنسان أو على جسده، وقالوا: إن الإنسان يستخدم أحياناً مضادات حيوية كثيرة فتتسبب في ظهور طبقة سوداء على اللسان لا تذهب، فقالوا: إن الخل يفيد في إزالة هذه الطبقة فإذا أخذ الخل ووضع على ماء وشرب ومسح به اللسان مرة أو مرتين في اليوم لمدة أسبوع يزيل ذلك.
وقالوا: إنه مفيد في التهاب المفاصل إذا وضع على هيئة كمادات فيضاف الخل إلى الماء ويسخن ويوضع على المفاصل فيريحها.
وقالوا: إن لدغات النحل ولدغات السمك الهلامية في البحر إذا عولجت بوضع الخل عليه مخلوطاً بملح فإن الألم يخف ولا يبقى شيء.
وقالوا: في الخل وخاصة الخل المصنوع من التفاح شفاء العديد من الأمراض: التهابات المفاصل، والتهاب الأنف، وحساسية الأنف، والربو، واضطرابات الأمعاء، وأنواع من الرشوحات موجودة في الجسم، وهو الآن يستخدم للتخسيس، (نعم الأدم الخل).
وذكر الدكتور سيرلس كود وموريس هانس في كتاب عن فوائد الخل يقول: يمنع الإسهال لاحتوائه على مواد قابضة، وينشط عملية الهضم لأي إنسان؛ لأنه حامضي فيزيد من حموضة المعدة فينشط الهضم والاستقلاب في الجسم وتحويل المواد الغذائية.
قالوا أيضاً: يستخدم كمضمضات ليمنع التنخر في الأسنان، كما أنه يقتل الطفيليات الموجودة في الأمعاء، ويمكن استعماله لتحسين الهضم عند مرضى عسر الهضم، إذا كانت المعدة لا تفرز الحامض المعوي بكمية كافية، وهو مطهر للأمعاء، ويذكر صاحب الكتاب أن الخل له فوائد كثيرة فيقول: لا أقول: إنه شفاء من كل داء، ولكن فيه شفاء لأدواء كثيرة تكون في البدن.
فصدق النبي صلى الله عليه وسلم حين يقول: (نعم الأدم الخل).
هذا ما وصل إليه العلماء من الأبحاث ومن الممكن أن تأتي أبحاث جديدة تثبت أشياء أكثر من هذا الذي ذكر ولكن على كل نرجع لحديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه مدح الطعام وإن كان شيئاً يسيراً قليلاً بحسب الموجود، فيمدح الإنسان الموجود من الطعام، ويحمد ربه سبحانه تبارك وتعالى عليه وعلى نعمه، قال سبحانه: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:7]، فالمؤمن إذا أكل وحمد الله سبحانه شكر الله سبحانه فإن الله سيعطيه المزيد من فضله سبحانه.