ومن الأحاديث العظيمة الجميلة التي جاءت في هذا المعنى حديث رواه الإمام أبو داود من حديث أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ فقالوا: بلى يا رسول الله.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إصلاح ذات البين) يعني: تصلحون ما بينكم من خصومات.
وفي رواية قال: (وفساد ذات البين الحالقة).
وفي رواية الترمذي لهذا الحديث قال: (فإن فساد ذات البين هي الحالقة).
فإصلاح ذات البين درجة أعظم من درجة الصلاة ودرجة الصيام ودرجة الصدقة، كأنه يقصد النافلة، فأفضل من أن تصلي نافلة تصلح بين الناس، وأفضل من أن تصوم نافلة تصلح بين الناس، فهو لا يقصد الفريضة، فالصلاة عظيمة جداً، ولكن صلاة النافلة عبادة قاصرة، فإذا خيرت بين أن تصلي النافلة أو تصلح بين الناس، فإن الحديث يخبرك أنك إذا أصلحت بين فلان وفلان فهو أعظم من صلاة النافلة التي تصليها.
إن إصلاح ذات البين ترفع درجاتك، فأنت عندما تصلح بين اثنين كأنك وجهت الاثنين إلى أن يصليا بخشوع، ويصوما بإخلاص، وأخذت منهم شواغل الشيطان.
هنا الحديث أطلق وقال: (الصلاة)، وما قال نافلة ولا فريضة؟ نقول: قد يكون إصلاح ذات البين أفضل من صلاة الفريضة، لو فرضنا أن إنساناً أراد أن يصلي الظهر، ورأى اثنين خارج المسجد، كل منهما يحمل سكيناً على صاحبه ليقتله، فهنا لا يصلي بل يخلصهما مع قدرته على ذلك بدلاً من أن يسقط واحد منهما قتيلاً، حتى لو خرج وقت الصلاة وأنت تمنع جريمة قتل تقع بين هؤلاء فتصلح يكون خيراً لك، والصلاة تدرك، أما الموت فلا يدرك، فلذلك قد يكون في حالة من الأحوال أفضل من صلاة الفريضة، وصلاة الفريضة قد تجمع مع غيرها في السفر، وقد تجمع مع غيرها في علة المطر، وقد تجمع مع غيرها في علة من العلل.