ليس معنى أن تكون حليماً وليناً للناس أن تجعلهم يضيعون عليك وقتك وجهدك؛ لأن الناس من تفرغ لهم تفرغوا له وأخذوا ما يريدون وأنهكوه وأتعبوه، فمن الشيء المعروف أن الناس إذا تعودوا على فراغك معهم لن تتخلص منهم، لكن احرص على عبادتك، وعلى وقتك، واترك الذين لا يهتمون بدخولك الجنة أو النار أو تحل عليك مصيبة، هم لا يهتمون بك، إنما همهم أن يأخذوا الذي يريدون، فتراهم إذا جاء إمام المسجد وقعد ليقرأ القرآن تجد هذا يسأله: يا شيخ عندي مسألة، والثاني: عندي سؤال، والثالث عنده سؤال، فلا يتركونه يقرأ القرآن أو يسبح الله سبحانه وتعالى، لكن إذا حسم الأمر وحافظ على نفسه فالجميع سيخاف وسيسكت، لكنه إذا فتح للناس المجال لن يكمل الإجابة حتى يقف على باب الجامع، وقد يستمر على ذلك ساعتين لو أصغى للجميع! إذاً: ليس من اللين أن تتنازل فتضيع العبادة أو العلم الشرعي، ولكن أوسط الأمر أن تبسُط وجهك للناس، وتكون رقيقاً معهم، ولكن أيضاً اعتذر لهم حسب طاقتك، فرب العزة سبحانه يقول: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، فالإنسان لا يكلف نفسه إلا ما يطيق؛ لذلك عود نفسك على المحافظة على وقتك وعلى وقت غيرك، وكن لطيفاً رقيقاً، وسلم على من عرفت ومن لم تعرف، ولا تكن مثل من لا يحب أن يسلم عليه أحد، فإذا أراد أن يرد السلام ردَّ بطريقة ساذجة، فيقول لك: أنت لا تستحق! قال النبي صلى الله عليه وسلم: (شر الناس من اتقاه الناس مخافة شره)، شر الناس من كان الناس يخافونه، وهو سعيد أن الناس تخافه! فيفسحون له الطريق، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم وصفه بأنه شر الخلق، وإذا كنت شر الناس في الدنيا، فمحلك يوم القيامة مع الأشرار في النار والعياذ بالله.
لذلك الإنسان المسلم إذا مر في الطريق سلم على إخوانه سواء سلم باليد أو سلم باللسان، ويلقي التحية عليهم ويكون بشوشاً في وجوه الناس، وإذا سلم عليك أخوك فلا توقفه نصف ساعة حتى لا تعطله وتضيعه عن عمله، أحياناً أخاف أن أسلم على الإخوة باليد مع أنني أحب أن أسلم عليهم باليد، لأنه يتساقط بسببها السيئات، ولكن إذا سلمت باليد على أحد الناس يقول: تعال يا شيخ أريدك، ويوقفني نصف ساعة، وكذلك الثاني وأما الثالث فيقول: سبحان الله! تمشي ولا تضحك لأحد ولا تسلم على أحد؟! فلابد أن تعلم أن الذي يحبك في الله سبحانه تبارك وتعالى يجب أن تكون محبته لك بأن يحافظ على وقتك وأن يعينك على طاعة الله سبحانه وتعالى، فالسؤال قد يتأخر أما عبادة الله فلا تتأخر؛ لأنها مؤقتة بأوقات.
ومن الناس من يأتي الساعة الثانية عشرة في الليل ويدق الجرس فيقول: طلقت امرأتي، فابحث لي عن حل، ولا ينتظر الصباح، فنقول له: صلِّ معنا الفجر في جماعة، فيأتي على باب المسجد يريد أن يسأل سؤالاً فيقال له: الصلاة أولاً، فيقول: لا، أنا في عجلة من أمري، فلا يريد أن يصلي، ولكنه يريد أن يعرف جواب سؤاله! إذاً: نقول: إن الإنسان لابد أن يحافظ على وقته، وليس معناه أنه لا يراعي هذه الأحاديث لا، بل لابد أن يتبسم في وجوه الناس، وهذا يلزمنا شرعاً، لكن بالقدر الذي لا يضيقون به علينا عبادة ربنا سبحانه وتعالى.
فالإنسان المؤمن يكون إلفاً مألوفاً، لكن لا يعني ذلك التغاضي عن الواجبات العينية والمفروضة عليه، بل عليه أن يعرف القدر الذي أوجبه الله عز وجل عليه، فيؤدي العبادة كما أمره الله سبحانه وتعالى.