قال تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا} [القصص:83]، هذا بعدما ذكر لنا كيف صنع بقارون، وكيف تعالى قارون على قومه.
فقد كان قارون من بني إسرائيل، وكان الأحرى بهذا الإنسان أن يأتسي بموسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وهو يعرف أنه نبي الله عليه الصلاة والسلام؛ ولكن لاختلاط قارون بفرعون، ولكثرة أموال قارون أعجب بنفسه، فوافق فرعون في شغله بملكه، وهامان شغلته وزارته، وقارون شغله ماله، وكل منهم أرانا الله سبحانه وتعالى فيهم الآيات.
فهذا فرعون أهلكه الله وأغرقه وهو يظن أنه يدرك موسى ومن معه ويأتي به، فإذا بالله عز وجل يملي له، ثم يهلكه.
وهذا موسى الذي كان مستضعفاً، وكان قومه مستضعفين، فآمنوا بالله سبحانه، فإذا بالله يمكن لهم في الأرض، ويجعلهم الوارثين ويفعل الله ما يشاء.
فقد كان قارون من قوم موسى فبغى عليهم، وآتاه الله من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، فنصحه قومه، وقالوا له: {لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص:76]، فأبى إلا أن يكون مثل فرعون، ففرعون له ملكه وماله، فأراد أن يقلد فرعون فيما هو فيه، ولا يستمع لموسى ولا لنصحه، ولا ينظر إلى بني جلدته من بني إسرائيل، أنهم قوم مستضعفون فآمنوا مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحاول أن يعلو ظناً منه أنه أحسن منهم.
خرج قارون على قومه في زينته مفتخراً يريهم أمواله، ويريهم حلله، ويريهم قوته وشبابه وجماله، فإذا بالله يأمر الأرض فأخذته هو ومن معه، فضاع الرجل وضاع ماله، قال تعالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ} [القصص:81]، وعقب ذلك ربنا سبحانه بقوله: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ} [القصص:83]، أي: هذه الجنة العظيمة {نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83]، فالذي يتقي الله له العاقبة الحسنة، والذي يكفر بالله سبحانه له ما رأينا من آيات الله سبحانه وتعالى فيه في الدنيا، ثم النار في الآخرة.