عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا منهم، سبعة أصناف من الناس سواء من الرجال أو من النساء، لكن الإمام العادل لا بد أن يكون رجلاًن فشرط في الخليفة أن يكون ذكراً.
قوله: (إمام عادل) هذا منصب الرجال، إمام عادل يحكم الناس بشرع رب العالمين سبحانه، ويقسط في حكمه، فهذا من أوائل من يظلهم الله في ظله.
ويوم القيامة موقف عظيم بين يدي الله سبحانه، قال الله: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم:48].
يقوم الناس كلهم بين يدي الله سبحانه، وتدنو الشمس من الرءوس، فإذا بالعرق يسيل من الناس في هذا اليوم الفظيع وينزل في الأرض، فمنهم من يبلغ إلى قدميه ويغطي قدميه، وهو واقف منقوع في عرقه، وإنسان آخر أفظع من ذلك عرقه يبلغ إلى ركبتيه، وإنسان ثالث عرقه يبلغ إلى حقويه، وإنسان رابع يصل إلى منكبيه، وإنسان خامس يغطي عرقه أذنيه، لم يتعب نفسه لله سبحانه تبارك وتعالى في الدنيا، ولم يخدم دين الله سبحانه، كل تعبه كان في الدنيا، يجري ويذهب ويأتي لها، كان يسيل عرقه في أمور اللهو وفي الباطل، ولم يعرق ولم يتعب في الدنيا لله سبحانه، بخلاف المؤمن الذي يفني عمره كله في طاعة الله سبحانه تبارك وتعالى، كان يصلي ويذهب إلى بيت الله سبحانه في الحر أو في البرد، ويفعل الطاعات من أمر بمعروف ونهي عن منكر، ومن حضور الجنازات وعيادة المرضى، ومعاونة من يحتاجون إلى معاونة وهكذا.
فالمؤمن ذو خلق ونفع لمن حوله، فهو يتعب نفسه ليستريح يوم القيامة، يتعب نفسه ليؤمنه الله يوم القيامة، يعرق في الدنيا حتى لا يعرق يوم القيامة ويغرق في عرقه.
يوم القيامة تدنو الشمس من الرءوس، والشمس الآن على بعد شاسع جداً عن الناس وضوءها يصل بعد ثمان دقائق، ويوم القيامة تكون الشمس قريبة من رءوس الناس على بعد ميل واحد، وهو ميل المسافة أو هو ميل المكحلة الذي يكتحل به، فالشمس تكون فوق رأس الإنسان يوم القيامة، فكم سيسيل من العرق من هذا الإنسان؟! والإنسان يخرج من قبره حافي القدمين لا ثياب عليه في هذا الموقف العظيم بين يدي الله سبحانه.
والمؤمنون ينفعهم إيمانهم وتقواهم لله سبحانه، ينفعهم أنهم بذلوا في الدنيا من العرق والدم والمال، وبذلوا من أوقاتهم لله سبحانه تبارك وتعالى، فيظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، يوم لا ظل إلا ظل الله سبحانه تبارك وتعالى، ظل عرشه، وظل يخلقه الله سبحانه ويجعله للعباد، وظل الله أعلم به، نقول: هذه أرض الله، هذه سماء الله، هذا ظل الله، فهو شيء يختص به الله عز وجل.
قوله: (إمام عادل) بدأ بالإمام العادل لأنه أنفع الناس للناس، فالحاكم المسلم الذي يحكم الناس بشرع الله، الذي ينفع الناس، والذي يعدل بينهم، هذا الإنسان ينتفع به الكثير من الخلق، فاستحق أن يقدم على الجميع يوم القيامة فيبدأ به.
الثاني: (شاب نشأ في عبادة الله)، يفرح المؤمن أن الله عز وجل هداه لدينه فأقبل على طاعة الله وهو شاب صغير، وكم من الشباب يقترفون معاصي الله وقد يتوبون غداً ولكن بعدما يتوب أحدهم وقد جاءه المشيب يندم على ما فرط، وفرق بين من نشأ في العبادة وهو صغير يعبد الله سبحانه ويحفظ كتابه ويتعلم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وبين الآخر، فهو نشأ على دين الله من صغره، فاستحق هذه المكافأة يوم القيامة.
فيجب عليك أن تنشئ ابنك على طاعة الله سبحانه تبارك وتعالى وهو صغير حتى ينفعك يوم القيامة، وأيضاً وأنت شاب تتعلم طاعة الله سبحانه تبارك وتعالى، وتجتنب الهوى، وتبتعد عما يبعدك عن ربك سبحانه، وعما يبعدك عن ظل الله يوم القيامة.
وكذلك الفتاة التي نشأت في عبادة الله سبحانه تبارك وتعالى، فلها هذا الظل يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظل الله تعالى.
قال: (ورجل قلبه معلق في المساجد)، إذا خرج منه فقلبه معلق به حتى يرجع إليه، يحب بيت الله سبحانه تبارك وتعالى؛ لأنه يتقرب إلى الله بالصلاة في بيته وبالاعتكاف في بيته وبذكر الله ودعائه وقراءة القرآن وبحضور مجالس العلم، فقلبه معلق ببيت الله سبحانه تبارك وتعالى، وليس متعلقاً بالمسجد لأنه سيقابل فلاناً وفلاناً، وسيحضر النادي الذي في المسجد، ويتعرف على فلان وعلى فلان؛ بل هو معلق ببيت الله لطاعة الله سبحانه، ويضن بوقته أن يضيعه في غير طاعة ربه سبحانه.
ولذلك فالمعتكف الذي يلزم المسجد داخل تحت هذا الحديث، فهو يحب بيت الله سبحانه تبارك وتعالى، يعتكف ليصلي الصلوات الخمس في بيت الله سبحانه، وليطيع ربه وليقرأ القرآن ويتعلم العلم الشرعي.
قال: (ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه)، وكذلك امرأتان تحابتا في الله اجتمعتا عليه وتفرقتا عليه.
والحب في الله شيء عظيم، يجتمعان على طاعة الله سبحانه تبارك وتعالى ويفترقان على ذكر الله سبحانه، فالمؤمن مع أخيه المؤمن، والمرأة المؤمنة مع أختها المؤمنة يجتمعان فيذكران الله سبحانه تبارك وتعالى، تسلم على أخيك وتقول له: كيف حالك؟ فيقول: الحمد لله، كان بعض الصحابة يسأل أحدهم أخاه فيقول له: كيف أنت؟ فيقول: الحمد لله، قال: لهذا أسألك، أنا أراك بخير، لكن أسألك لكي تقول: الحمد لله، فتذكر الله عز وجل فنؤجر على ذلك.
فالمؤمن يذكر الله سبحانه مستمتعاً بذكر الله، محباً لله سبحانه تبارك وتعالى، يذكر أخاه بالله سبحانه، وأخوه يدعوه للطاعة، ويأمره بالمعروف، وينصحه في الله سبحانه، فهو محب لأخيه لذلك، وفرق بين من يحبه لذلك وبين من يحبه لدنيا، ليذهب معه في حاجة، أو ليتمشى معه، أو ييذهب معه إلى محرم، فهذا يحب لأجل الدنيا، وسرعان ما يفترقان، فالدنيا لا تجمع شمل أحد أبداً.
فلتكن محبتكم على دين الله عز وجل، فاجتمعوا على دين الله وعلى طاعته، وتفرقوا على طاعة الله سبحانه تبارك وتعالى وإذا حدث بينك وبين أخيك شيء فراجع نفسك وليراجع نفسه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما تحاب اثنان في الله ففرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما)، اثنان تحابا في الله وفجأة إذا بهما يختصمان! فلا بد أن هذا أذنب ذنباً أو ذاك أذنب ذنباً.
أيضاً: الإنسان يحب إنساناً في الله سبحانه تبارك وتعالى، فأنت تحبه ليس لذاته وإنما في الله سبحانه، تحب الله الحب الأعظم في قلبك، وإذا مات هذا الإنسان فإن الله حي لا يموت سبحانه تبارك وتعالى، فحبه في قلبك لا يفارق قلبك، ولذلك المؤمن يحب ربه ويستغني بربه سبحانه ويستأنس بذكره سبحانه تبارك وتعالى، ويحب أخاه في الله ولله سبحانه تبارك وتعالى.
أيضاً: الحب له غاية وله كيفية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما)، فالحب في الله عز وجل له حدود، فيحب أخاه ولا يشغله فيقعد معه يوماً كاملاً لأنه يحبه! لا يعطله عما يحتاج إليه من أمر معاشه وأمر حياته وأمر دينه، ولكن يحبه لأنه يعينه على طاعة الله سبحانه تبارك وتعالى، وإذا أبغضت إنساناً فلا تبالغ في الكراهية، أبغض عمله الذي هو عليه، فقد يكون سارقاً، وقد يكون زانياً، وقد يكون عاصياً لله سبحانه بأي صورة من صور المعاصي، فتبغض هذا العمل، ولكن لا تجعل البغضاء حاجزاً بينك وبينه فلا تستطيع أن تدعوه إلى الله سبحانه، ولعله يتوب ويبقى في نفسه شيء منك لأجل البغضاء التي كانت بينك وبينه يوماً ما.
فالحديث يقول لك: إذا أحببت فلا تفرط، وإذا أبغضت فلا تفرط (أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما).
قال صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله)، رجل دعته امرأة إلى المعصية، إلى فراشها، إلى الوقوع في الفاحشة؛ فإذا به يخاف الله سبحانه، وأي امرأة هذه المرأة؟ ليست امرأة قبيحة، ولا امرأة عجوزاً شمطاء، بل هي امرأة ذات منصب، فهي تستطيع أن تضره أو تنفعه بحسب ما ينظر الناس، وهي شديدة الجمال، ففي يدها الترغيب والترهيب، التخويف والتحبب إليه، فهذا الإنسان لم يخف منها؛ لأنه يخاف الله سبحانه تبارك وتعالى، ولم يرغب فيها لأن قلبه معلق بما عند الله، فعند الله الحور العين وجنات عدن، فقلبه معلق بالآخرة، وبالخوف من الله، وبالرجاء في الله، (ولذلك قال: إني أخاف الله)، لا أخاف منك، ولا أرجو منك شيئاً، إنما أخاف الله؛ فاستحق أن يكون يوم القيامة ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
(ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)، هذا رجل آخر تصدق بصدقة فأخرج المال وانتظر حتى جاء الليل وقل الناس وذهب للفقير فأعطاه، حتى إن الفقير لعله لا يعرف من الذي أعطاه هذه الصدقة فأخفى الصدقة، ومن شدة إخفائه لها يكاد يخفيها عن نفسه، فهو من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
والمؤمن ينفق ولا يستكثر ما ينفقه، فالنبي صلى الله عليه وسلم أدبه ربه وقال له سبحانه: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر:6] لا تعطي المال مستكثراً هذا المال، فنهاه ربه سبحانه عن استكثار المال، فلا تنظر إلى أنك أعطيت الكثير، حتى وإن أعطيت مالاً كثيراً فالمال مال الله سبحانه، ومهما أعطيت فهو قليل من مال الله سبحانه.
والمعنى الآخر: لا تستكثر من أموال الناس بالعطية، لا تمنح مالاً وتنتظر ثواباً على هذا المال، وتريد أن يعطوك من أموالهم، فأنفق لله سبحانه ولا تنتظر مردوداً من أحد عليك فيما أنفقت.
قال: (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)، ورجل -وكذلك امرأة- كان في مكان وحده لا أحد معه، لعل الإنسان أمام الناس قد يبدو خشوعاً من الله سبحانه ومتأثراً بالموقف الذي هو فيه، وهذا حسن، ولكن الأحسن منه أن يبكي الإنسان فيما بينه وبين الله سبحانه تبارك وتعالى، يقوم الليل