ولابد أن يعلم أن الشفاعة ليست مجاملة؛ لأنه مطلوب من المسلم النصيحة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة)، فعلى الشافع أن يكون ناصحاً للطرفين، فيكون ناصحاً للأول الذي يطلب أن يشفع له عند فلان من أجل أن يجعله يعمل في كذا، ويكون ناصحاً للثاني، فلا يشفع عنده للأول وهو يعلم أن الأول فيه ما فيه من العيوب.
وقد يقع أحياناً أن بعض الناس يشفع لفلان من الناس بحجة أنه فقير مسكين، وقد يكون هذا الفقير المسكين سكيراً، أو يأخذ ما أعطي من المال ويشتري به سجائر، فيقال للشافع: أعطه من جيبك أنت، مادمت متألماً لحاله، ولا تحضره إلى المسجد من أجل أن يعطيه الناس، واعلم أن الأموال التي يؤتى بها إلى المسجد أموال الناس، وأن الإنسان الذي وضعت عنده الأموال مؤتمن عليها، فلا يحل له أن يضعها إلا في محلها، أما أن يأخذها لفلان من أجل أن يذهب ليشرب بها خمراً أو سجائر فهذا غير جائز له، وهو آثم لأنه وضعها في غير محلها.
والشافع لمثل هؤلاء عادة ما يتبرم من فعله قائلاً: ليس لي دخل، لا يجوز لكم أن تعطوه، مع أنه كان أولاً راحماً له، وكان يشفع بشيء من الشدة، وأنه لا بأس، ويجب الرحمة، ثم ينسى كل هذا الكلام عندما يكتشف حقيقة هذا الذي يشفع له، والأصل أن لا يشفع الإنسان إلا للإنسان الذي يعرف أنه فقير محتاج لما يأكل ويؤكل أولاده، وأنه لا يدخن ولا يشرب خمراً، وأنه ليس طويل اللسان على الناس، ولا سيئاً معهم، ولا عديم حياء ذا فجور.
كما يقال لمن يأتي ليشفع لمثل هؤلاء: لو كان هذا مالك هل ستعطيه لهذا الشخص الذي يأخذ المال ويشرب به الدخان طوال النهار، أو يرتكب فيه المحرمات، وهل هذا الإنسان يستحق أن يأخذ المال من أجل أن يصنع به الحرام؟ إن زكاة المال قد جعلها الله للفقراء والمساكين، وبقية الأصناف التي ذكرها الله عز وجل، لا لمثل هؤلاء.
فلنتق الله عز وجل في أنفسنا، ولنتق الله في نصحنا، وفي أموالنا، فإخواننا في فلسطين يقتلون ولا يجدون ما يأكلون، ولا يجدون ما يشربون، والبعض يصرف ماله في المحرمات من دخان أو خمور، أو يضيعها بين الناس.
ونرى هذه الأيام أناساً يأتي أحدهم إلى المسجد ويصيح: أنا محتاج لمال، وإذا تفقدت حاله وجدته يظل طوال النهار في الشارع يشرب الدخان، أو يأخذ المال ويشرب به الخمر، وتدرك قطعاً أنه لا يستحق ما أخذ من المال.
إنما يستحق هذا المال المسكين، والأرملة التي لا تجد ما تطعم به أولادها، واليتيم الذي لا يجد من يعوله، والعاجز الذي لا يجد طعاماً ولا يجد مأوى يؤويه.
أما الإنسان السفيه الذي يضيع مال الله سبحانه وتعالى، ولا يستحيي أن يمد يده للناس فنقول له: استح من نفسك! استح من الله سبحانه وتعالى، واعلم أن هناك حساباً عسيراً يوم القيامة.