وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما يطيل بنا)، هذا الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم غضب، وجاء في حديث أن معاذاً أطال بالناس في صلاة العشاء، لكن هذا الحديث كان في صلاة الصبح، وهو أن الإمام كان يصلي بهم ويطيل جداً في صلاة الصبح؛ لأن الرجل قال: (إني لأتأخر عن صلاة الصبح) أي: أتعمد أن أتأخر حتى تذهب ركعة، ومن ثم ألحق الركعة الثانية؛ لأنه يطول بنا جداً، فأتعب في الوقوف في الصلاة، قال أبو مسعود: (فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ، فقال: يا أيها الناس! إن منكم منفرين، فأيكم أم الناس فليوجز؛ فإن من ورائه الكبير والصغير وذا الحاجة).
هذه النصيحة العظيمة من النبي صلوات الله وسلامه عليه؛ لأن صلاة الجماعة المقصد منها أن يجتمع أهل الحي في مسجد، ويحدث التعارف فيما بينهم، وتحدث المحبة فيما بينهم، ويواظبون على جميع الصلوات الخمس مع بعض، ويحضرون الجنائز، ويعود بعضهم بعضاً إذا مرض.
إذاً: في صلاة الجماعة ألفة تجمع الناس، فإذا كان الإمام يطول بالناس فإنه ينفرهم فلا أحد يصلي معه فبدل أن يكون المسجد فيه عدد كبير يصبح فيه قلة من المصلين، فتزول الحكمة من صلاة الجماعة، وهي أن يجتمع الجميع يدعون الله عز وجل، وكلما زاد العدد كانت الصلاة أزكى عند الله عز وجل، وأكثر ثواباً.
وفي حديث معاذ رضي الله عنه: (أنه صلى بالناس صلاة العشاء بسورة البقرة، فتركه الرجل وصلى منفرداً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ معاذ: أفتان أنت يا معاذ! هلا قرأت بـ (سبح اسم ربك الأعلى)، (والشمس وضحاها)، و (هل أتاك حديث الغاشية))، أو كما قال صلوات الله وسلامه عليه، فذكر سوراً من قصار المفصل يقرأ بها حتى لا يمل الناس.
إذاً: إذا صليت بالناس فصل صلاةً وسطاً مائلاً إلى القصر وليس إلى الطول؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس! إن منكم منفرين، فأيكم أم الناس فليوجز)، وما سمعنا أحداً اشتكى من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يصلي بهم صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر فيقرأ بقدر سورة (ق)، وهي من طوال المفصل، وكان يقرأ بقدر سورة الرحمن، وسورة الواقعة، وكان يقرأ بقدر خمسين آية في صلاة الفجر أو بنحو هذا، وكان إذا صلى بهم في سفر صلى بقصار السور، بسورة الزلزلة، أو (قل أعوذ برب الفلق)، أو (قل أعوذ برب الناس).
فالإمام يراعي أحوال الناس الذين وراءه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإن من ورائه الكبير والصغير وذا الحاجة)، أي: فيهم الطاعن في السن الكبير، وفيهم الصغير الذي لا يتحمل الصلاة الطويلة، لكن إذا صلى الإنسان لنفسه فليطول ما شاء، أما إذا كان يصلي بالناس فليراع المأمومين الذين خلفه، ولتكن صلاته كما كان يصلي النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات، ومنها صلاة الظهر فقد كان يقرأ فيها بنحو: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:1]، مثلاً أو بأكثر منها، ويطيل في الركعة الأولى حتى يدرك الناس، لكن الإطالة الزائدة لم يفعلها إلا على الندرة صلى الله عليه وسلم؛ لبيان الجواز، فمرة صلى بهم المغرب بسورة الأعراف.