أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الإمام النووي رحمه الله: [باب احتمال الأذى.
قال الله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134]، وقال تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [الشورى:43].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: (يا رسول الله! إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله تعالى ظهير عليهم ما دمت على ذلك)، رواه مسلم].
هذا الباب يذكره الإمام النووي رحمه الله في كتابه (رياض الصالحين) وهو عن احتمال الأذى وهو من جنس الأبواب السابقة التي فيها العفو والإعراض عن الجاهلين والتي فيها الحلم أيضاً.
وقد ذكر قوله سبحانه: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134]، وقد قدمنا شرحها قبل ذلك.
وذكر حديثاً واحداً في هذا الباب وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: (يا رسول الله! إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني)، فالرجل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المعاملة مع القرابة الذين يصلهم ويزورهم وهم يقطعونه.
قوله: (وأحسن إليهم ويسيئون إلي)، أي: أن هذا الرجل يتعامل بالإحسان مع أقربائه وهم يعاملونه بالإساءة.
قوله: (وأحلم عنهم ويجهلون علي)، أي: أنا أكتم غيظي عنهم وأصبر على أفعالهم القبيحة معي، ومع ذلك هم أهل جهل وأهل سخط معي، وكأنه ينتظر من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول له: عاملهم بالمثل، ولكن جواب النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن كذلك بل قال: (لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل)، أي: كأنك تجعلهم يسفون الرماد الحار، فكأنهم يأكلون ناراً بهذا الذي يصنعون، وكأنك تضع في فمهم من النار أو من الرماد الحار.
إذاً: أمرنا بالإحسان إلى القرابة، فلا يدفعك كون هذا يجهل عليك إلى أن تجهل عليه أيضاً، ولكن أحسن إليه، وربنا سبحانه تبارك وتعالى يقول: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ} [الرحمن:60]، فإذا أساءوا إليك فأحسن إليهم لعلهم يهتدون يوماً من الأيام.
وكثير من الناس أصبحوا في هذا الزمان يقولون: مثلما يعمل معي سأعمل معه؛ فهو ليس أحسن مني، إذا شتمني فإني سأشتمه، وينسى أمر الصبر، وينسى أمر العفو، وينسى أن الصلة بالمعروف تنافي هذا الشيء، وكذلك في أمر الزيارات يقول: كم مرة ستزورني سأزورك، نقول: ليست هذه هي الصلة المطلوبة وإن كانت نوعاً من الصلة، إنما الصلة الحقيقية أنك تصل أخاك ابتغاء مرضاة الله سبحانه، سواء أتى إليك في البيت أو لم يأت إليك، وتلتمس له الأعذار إذا لم يأت إليك.