وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلوات الله وسلامه عليه: (هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟).
فقد كانت موجودة مع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة في يوم أحد، وقد تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ولها سبع سنوات، ودخل بها في المدينة ولها تسع سنوات، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الأيام والسنوات الماضية التي مكثها في مكة فقد مكث صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة، ففي الخمس السنوات الأولى من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن قد ولدت السيدة عائشة، ثم ولدت بعد ذلك، فهي هنا تسأله عن تلك الأيام وتقول: هل جاء عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ ويوم أحد كان يوماً عظيماً فظيعاً وقد كان المسلمون أشاروا على النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج، ولم يكن يريد أن يخرج عليه الصلاة والسلام، وكان يقول: (المدينة حصن حصين) أي: اتركونا ندافع عن أنفسنا في المدينة، فأبى المسلمون إلا الخروج، فقد كانوا يريدون الشهادة مثل أهل بدر، حتى تكون لهم فضيلة عند ربهم.
فخرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الطريق رجع عبد الله بن أبي بن سلول زعيم المنافقين بثلث الجيش، وكان رأيه عدم الخروج مثل رأي النبي صلى الله عليه وسلم، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم قال: أطاعهم وعصاني؟ فرجع بثلث الجيش.
وكانت صدمة للنبي صلى الله عليه وسلم أن هذا يرجع ثلث الجيش الذين معه، ومع ذلك صبر لأمر الله سبحانه، وعندما وصل إلى أحد قام النبي صلى الله عليه وسلم يحدد للمؤمنين المكان، واختار سبعين من الرماة وأمرهم أن يكونوا فوق الجبل ولا ينزلوا، وقال لهم: (لا تنزلوا ولو رأيتمونا تخطفنا الطير) أي: لو رأيتمونا جثثاً على الأرض والطير تأكلنا فلا ينزل أحد ويترك المكان الذي هو فيه.
وتبتدئ الحرب ويأتي نصر الله عز وجل وينتصر المؤمنون.
فطمع الرماة في الغنيمة أن يأخذها المقاتلون وحدهم، فنادى بعضهم بعضاً: ألم يأمركم النبي صلى الله عليه وسلم ألا تنزلوا؟ فلم يسمعوا وتركوا أماكنهم ونزلوا ليأخذوا الغنيمة، فالتف المشركون من ورائهم، وقتلوا المؤمنين، فانقلب النصر إلى هزيمة؛ لأسباب هي كما قال تعالى: {وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ} [آل عمران:152].
فالمؤمنون الصادقون ما كانوا يظنون أبداً أن منهم من يريد هذه الدنيا، وكلهم يجاهدون في سبيل الله، ولم يتركوا النبي صلى الله عليه وسلم؟ وقالوا: ما كنا نظن أن يكون فينا أحد همه الدنيا حتى أنزل الله عز وجل هذه الآية.
فهزم المسلمون وانفرد النبي صلى الله عليه وسلم في تسعة من المؤمنين، وكان قد جرح صلى الله عليه وسلم، وقد كان هو المطلوب أصلاً، وكان أبو عامر الفاسق قد حفر حفراً للمسلمين فوقع النبي صلى الله عليه وسلم في حفرة منها وجرح وانكسرت رباعيته، وهشمت البيضة فوق رأسه عليه الصلاة والسلام، ودخلت حلقتا المغفر الذي يقي وجه النبي صلى الله عليه وسلم في خده.
ففر المسلمون وانفرد النبي صلى الله عليه وسلم في سبعة أو تسعة من المؤمنين، وأتى الكفار على هؤلاء، فقال صلى الله عليه وسلم: (من للقوم؟ فيقول طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه: أنا يا رسول الله.
فيقول: مكانك) يعني: دعك إلى الآخر.
فقام إليهم رجل من الأنصار فقاتلهم حتى قتل رضي الله عنه أمام النبي صلى الله عليه وسلم، وهو جريح عليه الصلاة والسلام على هذه الحال، فقال: (من للقوم؟) فقام آخر حتى قتل السبعة كلهم أمام النبي صلى الله عليه وسلم مدافعين عنه، ولم يبق إلا طلحة رضي الله تبارك وتعالى عنه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من للقوم؟ لم يبق إلا أنت، فقام فقاتل قتال السبعة وحده) رضي الله عنه، فضرب فقطعت أصابعه، فقال: حس، وهو صوت يقوله الشخص عندما يصاب بشيء.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو قلت باسم الله لرفعتك الملائكة).