عن ابن عباس رضي الله عنهما كما في صحيح مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ أشج عبد القيس: (إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة).
وقد جاء وفد عبد القيس من ضمن الوفود الذين قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم يتعلمون الإسلام، فقدموا عليه وكان أحدهم أشج، يعني: كان به جرح مفتوح في يوم من الأيام ثم التأم بعد ذلك، وكان قد شج في مشاجرة مع قريب له، فضربه بشيء شج رأسه، فكان مشهوراً بهذا الوصف، أشج عبد القيس، يعني: المشجوج من بني عبد القيس.
فلما قدموا ابتدروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكل يريد أن يسلم عليه، صلوات الله وسلامه عليه؛ لينال من بركة النبي صلى الله عليه وسلم، فتأخر هذا الرجل قليلاً؛ فقد كانوا أتوا من سفر، وقد اتسخت ثيابهم، فأراد أن يتنظف، فنظف نفسه ولبس ثوبين طيبين، ودخل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في هيئة جميلة، ففرح به النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من فرحه بالآخرين، وقال لهذا الرجل معظماً فعله: (إن فيك لخصلتين يحبهما الله الحلم)، أنك حليم، أي: تحلم وتعفو عمن يسيء إليك.
(والأناة)، أي: أن غير متعجل.
والإنسان الذي جاء من سفر قد يكون ممتلئاً عرقاً، وممتلئاً بغبار السفر، فإذا جاء ليقابل أحداً ويسلم عليه فربما يغضب، فقد يلوث له ثيابه، فهذا الرجل انتظر حتى تنظف ولبس ثوبين وتطيب، ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم طيباً، ففرح به النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة)، فسأله الرجل: هاتان الخصلتان اكتسبتهما أنا أم هما هبة من الله عز وجل فطرني الله عليهما؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (من الله)، يعني: الله هو الذي فطرك عليهما.
فحمد الرجل ربه سبحانه أن فطره على ذلك.
فالإنسان الحليم محبوب من الله عز وجل، ومحبوب من الخلق، فهو إنسان متأن غير مستعجل، فلا يريد أن يعمل كل شيء بسرعة، ولكنه يفكر قبل أن يعمل الشيء.