ومن الأحاديث الواردة في حسن الخلق: حديث رواه أبو داود عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه).
والزعيم: الضمين، أو الضامن، أو الكفيل، أو الكافل، أي: وضامن لكم، وهو الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه، يضمن لكم ذلك، لكن افعلوا ما شرطه عليكم.
وقوله صلى الله عليه وسلم (ببيت في ربض الجنة) الربض: الحوش الذي خارج البيت، والجنة لا يوجد أحد يكون خارجها، بل كلهم داخل الجنة، وكأنه يقصد هنا أسفل الجنة، والجنة درجات بعضها فوق بعض، والنار دركات بعضها تحت بعض.
فربض الجنة هنا أدنى منزلة في الجنة، ويعلوها أوسط الجنة، وأعلاها أعلى الجنة، فالنبي صلى الله عليه وسلم وعد أنه زعيم، وأنه ضمين وكفيل ببيت في أدنى الجنة.
قال: (لمن ترك المراء) أي: الجدل، فالإنسان الذي يجادل بحق أو بباطل، ينهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ لأن المراء لا يأتي بخير، والإنسان حين يجادل في مسألة علمية إما أن يجادل أهل العلم، أو يجادل الناس ليظهر أنه أفضل منهم، فمن كان يجادل الناس، ويماري السفهاء بالعلم، مصيره النار والعياذ بالله، والإنسان الذي يماري العلماء ليظهر قدر نفسه، وليرى الناس أنه أعلى منهم، وأفضل منهم، مصيره النار والعياذ بالله.
وأما الذي يجادل ليحق الحق، ويجادل أهل الباطل ليعلمهم الحق، ويرد عليهم ما يقولون، فهذا يستحق الثواب.
فالأصل أن الإنسان لا يجادل المؤمن؛ لأنه لا يتعلم العلم بالجدل، وإنما يتعلم العلم بالتحصيل، ويتعلم العلم بالحفظ، وبالإتقان والممارسة؛ لأن الجدل يضيع الوقت، فيظل الإنسان يجادل حتى يضيع عليه وقت طويل، ولعله لا يعرف غير هذا الذي جادل فيه ولعله لا يتقنه، فالنبي صلى الله عليه وسلم يأمره أن يوفر على نفسه وقته، وأن يترك الجدل، فهو زعيم له ببيت في أسفل الجنة إن ترك الجدل.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لمن ترك المراء وإن كان محقاً)، فكيف إن كان على باطل؟! (وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب) أي: لا يكذب ولو مازحاً، فهذا الذي يمزح فيقول كلاماً كذبا، يقول له النبي صلى الله عليه وسلم: أنا كفيل لك إن تركت الكذب جاداً أو مازحاً ببيت في وسط الجنة لا تكذب إلا فيما يجوز: في إصلاح بين الناس، وفي كلام الرجل مع امرأته، وفي كذب إنسان في الحرب، فالحرب خدعة، لكن غير ذلك لا يجوز الكذب فيه، فيترك الكذب مازحاً أو جاداً.
قال: (وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه).
فبحسن الخلق ينال أعلى الدرجات.
فالإنسان الذي حسن خلقه حين يمر على الصراط فإن حسن خلقه يدفعه سريعاً حتى يتجاوزه، ويدخل الجنة، ويأتي على أبواب الجنة، ويسابق أهل الصيام، وأهل الصلاة وأهل الطاعات بحسن خلقه.
هذا الإنسان الذي حسن خلقه، إذا دخل الجنة، صعد إلى أعلى الجنة بحسن خلقه، وإذا كان في أعلى الجنة كان قريباً من النبي صلى الله عليه وسلم بحسن خلقه، وأقرب الناس من النبي صلى الله عليه وسلم أحاسنهم أخلاقاً، فانظر إلى حسن الخلق كيف جمع الخير كله في الدنيا والآخرة، نسأل الله عز وجل أن يحسن أخلاقنا.