عن الصعب بن جثامة رضي الله عنه، قال: (أهديت رسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً فرده علي، فلما رأى ما في وجهي، قال: إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم) متفق عليه.
فقد أهدى الصعب بن جثامة النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم بالحج هدية، وذلك أن الصعب اصطاد حماراً وحشياً ولم يكن الصعب محرما، فلذلك يجوز له أن يصطاد ما ليس في الحرم، فاصطاد وأهدى ما اصطاده للنبي صلى الله عليه وسلم، فرده النبي صلى الله عليه وسلم، فكأن الرجل كره أنه أهدى هدية للنبي صلى الله عليه وسلم فردها عليه، وشرف للصعب أن يهدي للنبي صلى الله عليه وسلم هدية ويقبلها.
فلما لم يقبلها اعتذر النبي صلى الله عليه وسلم عن عدم قبولها، فقال صلى الله عليه وسلم: (إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم).
فإذا سأل سائل: هل يحرم عليه أن يقبل مثل هذه الهدية صلى الله عليه وسلم؟ ف
صلى الله عليه وسلم جاء حديث آخر عنه صلى الله عليه وسلم أن ما يصطاده الحلال إذا لم يكن صاده من أجل المحرم، فيجوز أن يأكله، إذاً: صيد البر حلال، إذا لم يصده المحرم، ولم يصد له.
فهذا الرجل صاد صيدا وخشي النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون صاده من أجله، فقد صاد هذا الحمار الوحشي من أجل أن يهديه النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز له أن يأكله صلى الله عليه وسلم، فبين العذر في عدم القبول، وقال: امتنعنا من ذلك لأنا حرم.
وهذا القول فيه التلطف في الاعتذار، وعدم إيقاع الغير في الاعتذار بالكذب، لعله يقول له صلى الله عليه وسلم: أنا خائف أنك تكون اصطدته من أجلي، فيقول: لا، لم أصطده من أجلك، ويكون قد صاده فعلاً من أجله، ولكن الحياء منعه أن يقول ذلك، لذلك قال الكلمة اللطيفة منه صلى الله عليه وسلم: (إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم).
ففيه أن الإنسان إذا أهدي له هدية، ولم يكن عليه شيء في قبولها، فليقبل الهدية، فإذا تأذى منها أو ظن من ورائها شيئاً، تلطف في الاعتذار.