عن أنس رضي الله عنه قال: (إن رسول صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعاماً لعق أصابعه الثلاث، قال: وقال: إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى، وليأكلها ولا يدعها للشيطان، وأمر أن تسلت القصعة، قال: فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة)، هذا من التأديب والتربية للمؤمنين، فمن السهل أن يتكلم الإنسان عن التواضع؛ لكن التنفيذ والتطبيق صعب، فكان يعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم بفعله ليفعلوا كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم.
واللقمة قد تسقط من الذي يأكل فيتركها، لكن لو تعلم هذا الشخص التواضع لأخذ اللقمة التي وقعت منه ما لم يصبها أذى فأكلها، فينبغي أن يتعلم المرء ألا يستكبر؛ فالله الذي أعطى النعمة قادر على أن يمنعها ويسلبها من صاحبها، فإذا حمد العبد ربه سبحانه فإنه يستحق المزيد، قال عز وجل {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:7].
إذاً: فمن التواضع أن الإنسان إذا وقع منه شيء على الأرض مما يؤكل أن يزيل ما علق به من أذى ويأكله، وقال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر:6] فلا يحضر الشيطان معك طعامك، وإنما إذا وقعت منك اللقمة فخذها ولا تدعها للشيطان، كذلك ينبغي أن تتواضع في أكلك، فلا تأت برغيف وتأكل منه جزءاً ثم تأكل جزءاً من الرغيف الثاني وترمي البقية؛ لأن الذي أعطاك النعمة قادر على أن يسلبها منك ولا يعيدها إليك ثانية، فاحذر من أن تستكبر وتفتخر وتبطر بنعم الله سبحانه فتستحق أن تسلبها.
ثم قال: (وأمر أن تسلت القصعة) يعني: إذا أكلت وبقي قليل من الطعام في القصعة فلا تتركه وترميه في القمامة، وإنما تلعقه بأصابعك وتسلته، ولا تترك شيئاً للشيطان، وإذا تركت شيئاً فحافظ عليه، فإما أن تتصدق به وإما أن تحفظه لتأكله مرة ثانية إن كان مثله يبقى معك ولا يفسد، ولكن لا تتعود أنك تطبخ أكثر من اللازم، والباقي ترميه في القمامة؛ لأن هذا مؤذن بأن يمنعك ويحرمك الله سبحانه وتعالى.
ثم قال: (فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة) أي: الذي يأكل لا يعرف موضع البركة من الطعام، ولعل هذا الموضع بعينه الذي تركته أنت وألقيته في القمامة كان فيه البركة وأنت ضيعتها، ولا تدري بذلك إلا يوم القيامة، فيغبن الإنسان نفسه، {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [التغابن:9].
فهذا الإنسان يكون قد قصر في حق نفسه بتفريطه في الطاعات.