يذكر الإمام النووي حديثاً رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله).
جاء في حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة أقسم عليهن) يعني: أنه يقسم على ذلك.
ولا نحتاج لقسمه صلى الله عليه وسلم فهو الصادق المصدوق، ولكن يريد التأكيد الشديد: أن ثق في هذا الذي أقوله لك، ثق في أنك إذا أنفقت من مالك فلن ينقص هذا المال، طالما أن النية نية حسنة والعمل لله سبحانه وتعالى، فقال: (ما نقصت صدقة من مال) يعني: المال لا تنقصه الصدقة.
ثم قال: (وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً) يعني: إن ظلمك إنسان عفوت عنه، حتى وإن قال الناس: إنما عفا لأنه خائف منه، ولأنه لا يقدر على أن يأخذ الحق منه، حتى وإن استشعرت من كلامهم الإذلال والتحقير، ولكن نقول: إن ربنا يأمرك بالعفو، فقال: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور:22]، والنبي صلى الله عليه وسلم يأمرك بالعفو أيضاً كما في هذا الحديث وغيره، فلا تنظر للناس الذين ينظرون إليك أنك ذليل لأنك عفوت عن هذا الإنسان، لكن الله عز وجل وعدك بالعز، فالله يعزك ويذل من يحقر شأنك وشأن العفو عن الناس.
قوله: (وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) أي: إذا كنت تريد أن يرفعك الله في الدنيا والآخرة فتواضع؛ لأنك كلما تواضعت للخلق رفعك الخلق فوق رءوسهم، وأحبوك لتواضعك، وبتواضعك تجمع حولك قلوب الناس، وتنتفع بهم في الدنيا وفي قبرك ويوم القيامة.
والإنسان المتواضع خلقه عظيم، وهذا الخلق يقربه من النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الجنة؛ لأن أقرب الناس من النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء لنا في الحديث: (أحسنكم خلقاً أو أحاسنكم أخلاقاً)، فهذا الإنسان المتواضع عندما يأخذ الناس جنازته يزدحمون عليه، وعندما ينزل في قبره يقفون عند قبره ويدعون له: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، فهذا انتفع بالناس وهو في قبره، وفي الدنيا أحبوه وكانوا حوله، فهو يصلي معهم ويكون معهم في العبادة، ويأمرهم بالمعروف فيستمعون، وينهاهم عن المنكر فينتهون، فإذا به في كل أحواله على خير.