الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الإمام النووي رحمه الله: [باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين: قال الله تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:215].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:54].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13].
وقال تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32].
وروى مسلم عن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله أوحى إلي أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد) رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) رواه مسلم)].
هذا باب آخر من كتاب (رياض الصالحين) يذكر فيه الإمام النووي رحمه الله التواضع وخفض الجناح للمؤمنين.
التواضع: هو وضع الشيء وإنزاله بخلاف رفع الشيء.
فالإنسان المؤمن يتواضع، ويتكلف خلق التواضع، حتى يكون له سجية، ويضع نفسه أمام المؤمنين ويذل نفسه لهم، ولا يفتخر عليهم ولا يستكبر ولا يبغي على أحد من الناس.
فالتواضع أن يرى الإنسان نفسه أنه ليس أعلى من غيره وليس أفضل من غيره، وأنه مخلوق من طين، ومخلوق من ماء مهين، فيرجع إلى أصل وضعه وإلى أصل خلقته، قال تعالى: {مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس:18 - 21].
فهو مخلوق من الأرض وفيها يقبر وإليها يعود مرة ثانية، ومنها يخرج، فيستشعر في نفسه العبودية لله سبحانه وتعالى، فيتحلى بالتواضع؛ لأنه عبد لله سبحانه، فيتواضع ولا يفتخر على غيره.
فيتواضع ويخفض جناحه للمؤمنين، يعني: يميل ويلين ويذل نفسه لإخوانه المؤمنين.