جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أيضاً عن ابن عمر: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده؟).
قوله: (ما حق امرئ مسلم) أي: حق للمرء المسلم وحق عليه حين يكون له شيء يوصي فيه، من حقوق للناس من ودائع وديون وعرايا موجودة عنده، فإنه يلزمه أن يعيدها لأصحابها، فإذا فرضنا أنها ديون ولم يأت وقت تسديدها فإن عليك أن تكتب في البيت عندك في صحيفة: فلان له عندي كذا وكذا، وتبقى معروفة وتشهد على ذلك؛ حتى إذا مت عرف أهل البيت أن عليك الدين الفلاني فيؤدونه لصاحبه، فيا ترى من من الناس يصنع ذلك؟ أكثر الناس يكتبون ما لهم: لي عند فلان كذا ولي عند فلان كذا، أما ما عليه فالأكثر من الناس ينسون ذلك، وقد يكون المبلغ حاضراً عنده، فيقول: أرده غداً أو في الشهر الآتي، ينسى هذا المسكين أنه لو مات لعل الورثة يأخذون هذا المال ولا يردونه لصاحبه، فيحبس في النار ويعذب بذلك.
إذا كان الرجل قد حبس بدينارين كما جاء في الحديث: (أنه أتي للنبي صلى الله عليه وسلم بجنازة ليصلي عليها، فكان يسأل: هل عليه دين؟ فلما جاءوا بهذه الجنازة وسأل، قالوا: عليه ديناران، فقال: صلوا على صاحبكم، فـ أبو قتادة صعب عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه وصلاته بركة ورحمة ونور لهذا الإنسان في قبره، فقال: يا رسول الله! صل عليه وعلي الدينارين، فقال: هما عليك وفي مالك والميت منهما براء، فقال: نعم، فصلى عليه النبي صلوات الله وسلامه عليه، في اليوم التالي سأل النبي صلى الله عليه وسلم أبا قتادة: ما صنع الديناران؟ فقال: يا رسول الله! العهد قريب، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، بعد ذلك سأله: ما صنع الديناران؟ فقال ذلك، فسكت، وبعد ذلك سأله فقال: أديتهما يا رسول الله! قال: الآن بردت عليه جلدته)، هذان ديناران، فكيف بمن يأخذ مائة ألف ومائتي ألف، ويسرق الفلوس ويهرب بها؟! مصيبة من المصائب، والناس في غفلة، يأكل أموال الناس وينسى.
ومن عذاب الله للإنسان في الدنيا الغفلة، مثل المريض بالسكر عندما يأتيه المرض فيأكل أعصابه ومع ذلك لا يحس برجله حين يقوم، أقول: هذا من البلاء، فلا بد للإنسان أن يراجع نفسه عندما ينزل به المرض، فهاهو المرء ينتبه ويبعد رجله عن النار، وكذلك إذا مر على مسمار يبتعد عنه، لكن المصاب بمرض السكر أعصابه لا تحس بشيء، فهو يدوس مسماراً ولا يحس به؛ لأنه قد حصل في رجله (غرغرينا) وقد تنقطع رجله في يوم من الأيام، كذلك الإنسان الذي يكون في غفلة، فتراه يأكل المال الحرام ولا يبالي، فهذا شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بإنسان جاءت على أنفه ذبابة فقال بيده هكذا، هشها فطارت الذبابة، ونسي ما كان من أمر الذبابة، فذنب الفاجر على رأسه كذبابة، قال بيده هكذا فطارت.
أما المؤمن فالذنب الذي يقع فيه يكون على رأسه كالجبل، يستشعر عظم هذا الذنب، ويقول: يا ترى ربنا سيتوب علي فيه؟ يا ترى ربنا سيعذبني؟ ويظل يستغفر ويستغفر ويصلي لله ويسأل الله عز وجل أن يتجاوز عنه في ذنب واحد فعله، فهناك فرق بين من قلبه حي ومن قلبه ميت.
لذلك الإنسان المؤمن دائماً متذكر ما يقوله الله عز وجل، وعلى باله أن الموت سيأتيه ليلاً أو نهاراً.
نسأل الله عز وجل أن يعيننا على التذكر وعلى العمل، وأن يجعلنا من عباده المخلصين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.