قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يأخذ أحدكم أحبله ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها؛ فيكف بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه).
الصحابة ما كانوا حطابين، ومهنة جمع الحطب من أقل المهن، ولكن مهما كانت فهي أفضل من أن يسأل الإنسان غيره، فالصحابة منهم التجار ومنهم الزراع، وأهل المدينة كانوا متعودين على الزراعة، والمهاجرون كانوا متعودين على التجارة، ولكن لا يقعد الإنسان من غير عمل.
النبي صلى الله عليه وسلم يعلم المسلم ألا يسأل أحداً شيئاً، فيقول: خذ حبلاً على كتفك واذهب إلى الجبل فاحتطب من هناك، ثم بع هذا الحطب للناس، فتنتفع بهذا الشيء فتتكسب وتؤجر على ذلك.
قال صلى الله عليه وسلم: (فيبيعها فيكف بها وجهه)، سيبيع ويكسب ويكف الله عز وجل وجهه بذلك ويكتفي ولا يسأل أحداً شيئاً، فهذا خير له وأفضل له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه.
سؤال الناس فيه ذل، حتى لو أعطوك فتوجد منة من الذي أعطاك، فالأفضل أن لا يسأل أحداً.
قال هنا: (خير له)، السؤال لا خير فيه إلا للمحتاج أو المضطر، أما غير ذلك فسؤال الناس لا خير فيه.
فالخير للإنسان أن يكتسب بنفسه ويتعب نفسه، فعلينا أن نكسب المال الحلال من وجهه، ما ننتظر المال الحرام، وما ننتظر أن ينزل الله علينا رزقاً من السماء، ولكن نبحث عن ذلك ونمشي في الأرض وننتشر فيها ونأكل من رزق الله ونبحث عن فضل الله سبحانه.
والإنسان لا يستكبر عن عمل مهما كان هذا العمل، وكثير من الشباب يبحثون عن أعمال وإذا وجد عملاً قال: هذا العمل لا يناسبني! جلوسك في البيت أذل لك من عمل لا يناسبك، ابحث عن العمل الحلال ولو كان من أقل الأعمال، طالما أنك تكف به نفسك عن سؤال الناس، فهذا خير لك وأفضل لك، حتى ولو كانت الأجرة فيه قليلة، ولو علم الله عز وجل في قلبك الخير لأعطاك الكثير بعد ذلك لصبرك وتعففك عن سؤال الناس، فيجب على الإنسان المسلم أن يبحث عن الرزق الحلال من وجهه، ولا يقعد في البيت ينتظر من يصرف عليه، ولا يقعد في البيت وينتظر إنساناً يعطيه مالاً يقرضه، وليس عنده ما يسدد به هذا القرض! جاء شابان إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألانه فنظر إليهما، فوجدهما شابين جلدين، فقال: (إن شئتما أعطيتكما، واعلما أنه لا حظ في هذا المال لغني ولا لذي مرة سوي).
يعني: سأعطيكما من هذا المال إذا كنتما محتاجين أو مضطرين، لكن: (لا حظ في هذا المال لغني).
وقد يقولان: نحن فقراء ما عندنا فقال: (ولا لذي مرة سوي)، فالشاب القوي الذي فيه جلد وفيه قوة لا حظ له في مال الصدقة ولا حظ له في مال الزكاة.
فلا تأخذ مالاً لا تستحقه، واسع في طلب الرزق واعمل، وبفضل الله يرزقك سبحانه: {إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ} [الأنفال:70].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه هنا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره)، لن يأخذ معه حماراً ولا حصاناً يحمله عليه، بل سيحمله على ظهره (خير له من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه).
فالأفضل للإنسان أن يتعب في طلب الرزق، وهذا أفضل من أن تمد يدك لإنسان فيقول لك: ما عندي، فاذهب واعمل فأنت قوي تقدر على أن تعمل، ولا تمد يدك إلى أحد من الخلق، ومد يدك إلى الله الذي يرزق سبحانه.