عن أبي عبد الرحمن عوف بن مالك الأشجعي قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال: ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم له تعاليم دقيقة ولطيفة مع أصحابه، وإلا فقد كانوا بايعوه من قبل على الإسلام، لكنه أراد أن يذكرهم بشيء بهذه الطريقة الجميلة.
قال: (ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: قد بايعناك يا رسول الله ثم قال: ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، والصلوات الخمس وتطيعوا -يعني: أولي الأمر منكم- وأسر كلمة خفيفة -أسمعهم إياها بصوت خفيف-: ولا تسألوا الناس شيئاً).
بايعوني على الإسلام أي: على عبادة الله وعدم الشرك، وعلى الصلوات الخمس، وعلى الطاعة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم ولأولي الأمر منكم، وتبايعوني أيضاً على (أن لا تسألوا الناس شيئاً).
هذه من ضمن البيعات التي أخذها النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه أو على بعضهم، وهؤلاء بايعوا.
فكان يسقط سوط أحدهم أو عصاه وهو راكب على الجمل فينيخ جمله وينزل فيأخذ عصاه، فهذا أحب إليه من أن يطلب من أحد أن يناوله ذلك، قال: (فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحداً يناوله إياه).
أي: لا يطلب من أحد شيئاً، وهذه تربية عظيمة رباهم عليها النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان هذا الذي تسقط عصاه لا يطلب من أحد أن يناوله إياها، فمن باب أولى ألا يسأل أحداً مالاً أو غيره، فعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم عزة النفس والتعفف عن أن يبسطوا ويمدوا أيديهم للناس يطلبون شيئاً، وبايعهم على ذلك صلوات الله وسلامه عليه.
وحذر هؤلاء وغيرهم بأن الذي يسأل ويلح في الطلب، فإنه يأتي يوم القيامة حاله كما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مزعة لحم).
ومزعة اللحم: القطعة من اللحم، فالإنسان لعله يستحيي من إنسان كبير إذا فعل أمامه شيئاً يستحيا من فعله فيتصبب عرقه حياءً، والله سبحانه وتعالى له المثل الأعلى، فهؤلاء الذين يسألون الناس إلحافاً عندما يأتون ربهم يوم القيامة سيستحيون من الله عز وجل، حتى يتساقط من وجوههم اللحم بسبب أنهم لم يستحيوا في الدنيا من الله.