روى مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قد أفلح من أسلم ورزق الكفاف وقنعه الله بما آتاه).
فهذا إنسان مفلح بسبب أنه رضي عن الله سبحانه وتعالى، وصدقت الحكمة القائلة: القناعة كنز لا يفنى.
فالإنسان بقناعته يستشعر أنه غني عنده كل شيء، والله عز وجل إذا أعطى الإنسان القلب المطمئن والنفس القانعة ورزقه رزقاً كفافاً على قدره بلا زيادة ولا نقصان كان مفلحاً إذا كان مسلماً مؤمناً قانعاً.
وفي الصحيحين عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني)، وكأن حكيماً لما أسلم وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم -وهو ممن أسلم متأخراً- طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه، والنبي صلى الله عليه وسلم كريم فأعطاه، وسأله مرة ثانية، مع أنه كان كبيراً في قومه رضي الله تبارك وتعالى عنه، ولكن مهما كان كبيراً فلا غنى له عن مال الله سبحانه وفضله، فلما أعطاه المرة الثالثة قال له -ينصحه-: (يا حكيم إن هذا المال خضر حلو)، والخضر هو نبات يخرج من الأرض كخضر البقلات تخرج من الأرض فتأكلها الدواب.
فكأنه يضرب له المثل بما يكون أمام البقر والإبل، فتأكله وتستحلي طعمه إلى أن تهلك من كثرة الأكل.
فالمال كذلك، فإن الإنسان يفضل أن يأخذ المال إلى أن يهلك، وذلك بأن لا يؤدي الحقوق التي عليه، ثم يستشعر أنه يريد أكثر، وفي الحديث: (منهومان لا يشبعان: طالب علم وطالب مال).