أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الإمام النووي رحمه الله: [باب فضل الجوع وخشونة العيش والاقتصار على القليل من المأكول والمشروب والملبوس وغيرها من حظوظ النفس وترك الشهوات.
وعن أبي محمد فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (طوبى لمن هدي للإسلام وكان عيشه كفافاً، وقنع) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاوياً وأهله لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير)، رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى بالناس يخر رجال من قامتهم في الصلاة من الخصاصة -وهم أصحاب الصفة- حتى يقول الأعراب: هؤلاء مجانين، فإذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف إليهم، فقال: لو تعلمون ما لكم عند الله تعالى لأحببتم أن تزدادوا فاقة وحاجة) رواه الترمذي وقال: حديث صحيح وعن أبي كريمة المقداد بن معد يكرب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح].
هذه الأحاديث ذكرها الإمام النووي رحمه الله في كتابه (رياض الصالحين) في باب: فضل الجوع وخشونة العيش، وقد قدمنا أحاديث في هذا الباب قبل ذلك.
وذكر هنا حديث فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (طوبى لمن هدي إلى الإسلام)، وطوبى هي: شجرة في الجنة يخرج منها حلل أهل الجنة، وثيابهم.
فقوله صلى الله عليه وسلم: (طوبى لمن هدي إلى الإسلام)، أي: من هداه الله عز وجل لهذا الدين العظيم.
(وكان عيشه كفافاً)،أي: بقدر ما يكفيه، لا زيادة في رزقه ولا نقصان، يعني: بقدر حاجته.
قوله: (وقنع)، وهذا الحديث هو مثل الحديث الذي جاء في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قد أفلح من أسلم وكان رزقه كفافاً، وقنعه الله بما آتاه)، يعني: أن الفضل من الله سبحانه وتعالى، وهذا الإنسان أفلح بفضل الله سبحانه؛ لأن الله هو الذي هداه للإسلام، وهو الذي رزقه سبحانه، وهو الذي سخر له هذا الرزق، بحيث جعله على قدر حاجته، لا زيادة فيه ولا نقصان؛ حتى لا يُفتن هذا الإنسان، والله هو الذي من عليه بأن رزقه القناعة، والله هو الذي من عليه بالفلاح سبحانه وتعالى.
إن الإنسان المؤمن إذا أعطاه الله سبحانه شكر الله على ما أعطاه، وإذا منعه الله سبحانه صبر على ما منعه، فهو في كل أحواله راض عن الله سبحانه، قانع بما آتاه الله سبحانه وتعالى.
وليس معنى ذلك أن يقعد الإنسان في بيته ولا يطلب الرزق، ويقول: إنني راض بهذا الشيء، بل يمشي في الأرض، كما قال تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك:15]، فأنت تتعب نفسك حتى تحصَّل قوتك وقوت أهلك خوفاً من الإثم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت).
فالإنسان المؤمن يبحث عن رزقه ويقنع بما أعطاه الله سبحانه، فإذا لم يقنع يستقل هذه النعم، ويظل يراقب غيره الذي أنعم الله عز وجل عليه وأعطاه أكثر مما أعطاه، أما المؤمن فيرضى بما آتاه الله، ويعلم أن الله يدخر له في الجنة خيراً من ذلك بكثير، فهو راضٍ برزق الله عز وجل حتى وإن كان كفافاً؛ لأنه يرجو رحمة ربه، فيكون قد أفلح، وهنا جاء في الحديث: (طوبى لمن هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافاً وقنع).
وقد يهدي الله الإنسان إلى الإسلام ويكون عيشه كفافاً ولكنه لا يقنع، بل يتسخط، فلا يزال يشكو ربه ليل نهار، ويقول: ربنا يعطي الناس ولا يعطيني، فيسخط الله عز وجل عليه.
وقد يهدي الله عز وجل الإنسان إلى الإسلام، ويعطيه رزقاً واسعاً، ويشكر هذه النعم العظيمة ويؤدي الحقوق فيها فهذا أيضاً له الجنة.
إن الفقير الصابر له أجر عظيم، والغني الشاكر أيضاً له أجر عظيم، ولكن أيهما أفضل؟ ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء، فلو كان الغنى وإعطاء الكثير من الدنيا شيئاً أحسن للإنسان وأفضل له، فإن الله كان سيعطيه للنبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجعله يجوع صلى الله عليه وسلم ويبيت طاوياً، وليس المعنى أن لا يتمنى الإنسان الشر والفقر، بل يسأل الله عز وجل من رزقه ومن فضله، فما آتاه الله عز وجل حمده وشكره عليه سواء أعطاه كفافاً أو أعطاه زائداً عن حاجته، بل مهما أعطاه شكر ربه على نعمه وعلى عطيته.