شدة معاناة أبي هريرة من الجوع

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لقد رأيتني وإني لأخر فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حجرة عائشة رضي الله عنها مغشياً علي، فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي ويرى أني مجنون وما بي جنون وما بي إلا الجوع، رضي الله تبارك وتعالى عنه.

هذه مفخرة لـ أبي هريرة رضي الله تبارك وتعالى عنه أنه لم يشغل نفسه بشيء إلا أن يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وليبلغ عن النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأحكام التي جاء بها من عند ربه صلوات الله وسلامه عليه.

هنا كان يقول: (لقد رأيتني وإني لأخر) يعني: من شدة جوعه رضي الله تبارك وتعالى عنه، فبين منبر النبي صلى الله عليه وسلم وحجرة عائشة يمشي فيقع على الأرض من شدة الجوع، فلا يقدر على الوقوف، وأحياناً الإنسان من شدة جوعه وعطشه يكون كالمجنون، فترى لسانه يخرج إلى الخارج وينزل زبد من شدقيه، فيصبح من شدة جوعه على هيئة مجنون، والذين من حوله يظنون أنه جن، ويظنون أن به صرعة.

فيأتي الرجل فيجده مرمياً على الأرض، ويضع رجله على رقبته، ظناً منه أن به صرعاً فيفعل به ذلك.

يقول: فيجيء الجائي، أي: الإنسان الذي يأتي يظنني مصروعاً وليس بي ذلك، قال: فيضع رجله على عنقي ويرى أني مجنون وما بي جنون وما بي إلا الجوع.

هذا من الأحاديث التي فيها بيان كيف كان أبو هريرة يعاني من الجوع والفقر، ولو شاء لخرج يتاجر في المدينة مثل غيره، أو يعمل عند أحد من أهل المدينة فيطعمه ويسقيه ويعطيه، ولكن كان هم أبي هريرة رضي الله عنه أن يحفظ من النبي صلى الله عليه وسلم ويتعلم منه، ويدعو له النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو لأمه أيضاً، فـ أبو هريرة شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان، وأخبره أنه لا يحبه إلا مؤمن، ولذلك فإن أبا هريرة لا يسمع به إنسان مؤمن إلا أحبه، والإنسان الذي يكره أبا هريرة رضي الله عنه إنسان لا حظ له في شيء من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحبك إلا مؤمن).

ولقد ظهر أناسٌ يزعمون أنهم قرآنيون، يقولون: نأخذ بالقرآن فقط ولا نأخذ بالحديث؛ لأن أبا هريرة كان مشغولاً بالطعام والشراب، وكان يريد أن يشبع بطنه، قالوا: هذا الإنسان الذي يريد أن يشبع بطنه ماله ومال حديث النبي صلى الله عليه وسلم؟ وما فهموا في أي شيء كان أبو هريرة رضي الله عنه، فهم في واد وهو في واد آخر! أبو هريرة أجاع نفسه وأتعب بدنه في سبيل حفظ حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولو أن واحداً من طلبة العلم حكى في سيرته أنه كان يجوع وكان يعطش وكان يشقى ويكد ويكدح في طلب العلم لمدحه الناس على ذلك، ولكن يقولون ذلك عن أبي هريرة؛ لأنه راوية الإسلام، فقد روى آلاف الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وانفرد بأحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا هدموا أبا هريرة هدموا ركناً عظيماً من أركان هذا الدين؛ لذلك فـ أبو هريرة لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق، مهما زعم أنه قرآني أو غير ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015