روى البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله).
وشراك النعل: هي السيور التي في ظهر الحذاء، فهذه السيور قريبة منك تربطها سريعاً وتحط رجلك فيها، فالجنة أقرب، بمعنى أن عمل الجنة سهل على من أخلص لله عز وجل.
(والنار مثل ذلك)، فالمعاصي سهل على الإنسان أن يفعلها، وربنا قد هدى العباد فقال: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:10]، فطريق السعادة طريق سهل، وطريق الشقاوة طريق سهل، واختر أنت أي الطريقين، ولا تنظر إلى قضاء الله وقدره فإنه لن يطلعك على الغيب، فكل شيء يجري بمقدار، وكل شيء هو بقضاء الله وقدره، ولكن ما قضاؤه فيّ وما قضاؤه فيك؟ لا ندري، فلم يطلعنا على هذا القضاء.
إذاً فنؤمن بالغيب ونؤمن بالقضاء والقدر ولا نجعله مانعاً من العمل، فالمؤمن مصدق بالقضاء والقدر، وأن كل شيء خلقه الله بقدر، وأن الله خلق العباد وخلق ما يعملون، والله علم كل شيء وخلق فريقاً للجنة وفريقاً في النار، فهذا كله نؤمن به.
أما أن تجعله أمراً يمنعك من العمل فأنت لم تطلع على هذا الغيب حتى تمتنع، فترى الإنسان الذي يجادل في قضاء الله يقول: إذا كان الله عز وجل قدر لي أن أدخل الجنة فسأعمل بعمل أهل الجنة، فيقال له: إن الله جل وعلا لم يمنعك من عمل أهل الجنة، فهل حاولت أن تصلي ومنعك؟ وهل حاولت أن تتصدق بصدقة ومنعك؟ كلا، فتقدم إلى العمل ودع الاحتجاج بالقضاء والقدر، وعليك أن تؤمن بهما فالله عز وجل قدر كل شيء.
والصحابة لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن القضاء والقدر، وعن هذه الأعمال التي نحن نعملها هل هي شيء قد فرغ منه أم أنها شيء لا زلنا نعمله ويعلمه الله عز وجل؟ فأخبرهم أنه شيء قد فرغ منه وانتهى أمر القضاء والقدر، فكل شيء مقدر عند الله، وكل إنسان معلوم عند الله منزله في الجنة أو في النار.
فالمطلوب منك أن تؤمن بالقضاء والقدر، ومطلوب منك أن تعمل، فلا تضيع الوقت في الجدل وفي الكلام، فإذا كنت من أهل الجنة يسر لك الله عمل أهل الجنة، وإذا كنت من أهل النار عسر عليك الله طريق الجنة، فالذي يجادل في هذا لا يستحق الجواب، وانظر الجواب بعد ذلك عندما يدفن في قبره، عندما تجيء الملائكة تأخذ روحه فيسأل عن تضييع الوقت في هذا الجدل.
فالذي يستهين بأمر النار دعه يستهين بأمر النار حتى يدخلها، فهناك يعرف ماذا كان يعمل في الدنيا، وما هو الشيء الذي حرمه من دخول الجنة.
وأما الإنسان المؤمن فلا يفكر في أمر القضاء والقدر ولماذا ربنا عمل كذا؟ بل هو مؤمن بالله عز وجل، ومؤمن بالغيب، وعلم من كتاب الله سبحانه الآية العظيمة التي قال الله سبحانه فيها: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23]، فالله لا يسأل لم فعل كذا؟ وإنما أنت الذي تسأل عن ذلك، فأعد لهذا السؤال جواباً، ولا تضيع وقتك فيما لا ينفعك بل يضرك.
(الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله) يعني: أن عمل الجنة عمل سهل ولكن دع عنك الشهوات، ودع عنك الشبهات تيسر لطريق الجنة.
(والنار أقرب إلى أحدكم من شراك نعله)، فالمعصية سهلة أن يقع الإنسان فيها، فالجنة سهلة والنار سهلة، والذي يوفقه الله عز وجل ييسر له طريق الجنة.