بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الإمام النووي رحمه الله: [باب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104].
وقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110].
وقال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199]، وقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [التوبة:71].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)].
هذا الباب من هذا الكتاب العظيم رياض الصالحين يذكر فيه الإمام النووي رحمه الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصائص هذا الدين العظيم، فقد جاء في القرآن آيات كثيرة في أن ربنا سبحانه وتعالى أمرنا أن تكون منا أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وهذا فيه خير الدنيا وفيه خير الآخرة، والذي ينظر إلى هذا الدين العظيم ويتأمل في قواعده الكلية وأصوله العظيمة، وفروعه ومسائله، يعرف أن هذا دين الله سبحانه وتعالى، وأنه الدين الذي فيه صلاح معاش الناس، وأن بغيره تضيع الدنيا الآخرة، فالدين فيه قوام حياة كل إنسان والإنسان يشعر بإنسانيته حين يتبع هذا الدين العظيم، ويشعر المؤمن بعزة يستمدها من هذا الدين، وعزة من الله عز وجل يعز به المؤمنين، ويستشعر كيف أن البعيد عن هذا الدين في ذل عظيم ما دام في بعده عن دين الله وعن طاعته، فربنا خلق العباد ليبتليهم أيهم أحسن عملاً، وليبتلي بعضهم ببعض، ويبتلي المؤمن بالكافر والمطيع بالعاصي، والبر بالفاجر، والمستقيم بالمنحرف.
ولو كان الناس كلهم على الاستقامة، والأمر كله عبارة عن أكل وشرب ولعب ولهو وراحة لأصبحت آخرة لا دنيا، فربنا خلق الدنيا لتكون حياة قصيرة وسماها دنيا، والدنيا اسم مأخوذ من الدنو والدنو هو القرب، والبعيد هو الأجمل وهي الدار الحيوان، أي الحياة الدائمة المقيمة فالمؤمن من يبيع الدنيا ليشتري الآخرة، فالدنيا فيها بساتين، والإنسان ينظر ويتنعم ويأكل ويفرح ويشتهي أشياء وينالها، لكن كل هذا جعله ربنا لنا مثالاً صغيراً لتعرف أن وراء ذلك ما هو أعظم بكثير، فإن أكلت في الدنيا وجدت من الأكل شهوتك وأخذت منه حاجتك وبعد ذلك أخرجته فألقيته في القمامة وهذه نهاية أكل الدنيا.
وأكل الآخرة بعكس أكل الدنيا تماماً، فلا بول ولا غائط في الجنة ولكن عرق كريح مسك، ولا تخمة ولا مرض فالدار الآخرة دار استمتاع تستمتع بها فحين يدلنا ربنا سبحانه وتعالى على ذلك يتفكر الإنسان في سبب وجودنا في هذه الدنيا، والسبب هو الامتحان والبلاء لكي نحصل على الجزاء يوم القيامة، وليتعب الإنسان في الدنيا ليرتاح في الآخرة.
ومن تعب الإنسان أن يتعب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.