وروى مسلم عن جابر رضي الله عنهما.
أي: عنه وعن أبيه عبد الله بن حرام الأنصاري، أحد الشهداء الذين خاطبهم الله كفاحاً رضي الله عنه؛ ولذلك عندما يحدثون عن جابر بن عبد الله يقولون: رضي الله عنهما.
سمع جابر النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل).
والمعنى: ليكن حسن الظن في قلبك، حتى إذا جاءتك الوفاة كنت على حسن الظن بربك سبحانه، أي: حسن الظن الذي يدفعك إلى العمل، وإحسان الظن هذا ينفعك في حال وفاتك، فالله عز وجل يقول: (أنا عند ظن عبدي بي).
وهنا يقول: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله)، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم على عبد شاب وهو يموت، فسأله صلى الله عليه وسلم وقال: (كيف تجدك؟ قال: أجدني أرجو الله وأخاف ذنوبي) أنا أرجو رحمة رب العالمين، لكنني خائف من ذنوبي، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا يجتمعان في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما رجاه، وأمنه مما يخاف)، فعند الوفاة إذا كان العبد يرجو رحمة رب العالمين فالله عند حسن ظنه به.
وهناك حديث آخر عن أنس بن مالك يرويه الترمذي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله تعالى: يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي).
العبد يدعو ربه سبحانه تبارك وتعالى وقد يكون من العصاة أو من أهل الكبائر، بل من أهل الكفر، فإذا تاب ورجع إلى الله تبارك وتعالى ودعا ربه فإن الله يغفر له يقول: (غفرت لك ولا أبالي)، وسيبالي بماذا؟ من الذي سيحاسب الله سبحانه تبارك وتعالى حاشا له سبحانه؟ قال: (يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك).
العبد يذنب ذنباً ثم ذنباً ثم كبيرة ففاحشة إلى أن تصل إلى عنان السماء، ثم يتوب إلى الله عز وجل توبة نصوحاً يعلم الله صدقه في ذلك فيغفر له، ويأتيه بقرابها مغفرة، فلو ملأ ما بين السماء والأرض ذنوباً ثم تاب إلى الله، فإنه يغيرها ويملؤها له ربه سبحانه بالفضل والرحمة.
قال هنا سبحانه: (إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة).
والمعنى من جميع هذه الأحاديث: أن العبد لا يقنط أبداً من رحمة رب العالمين، فرحمة الله واسعة، وخوف العبد من الله يمنعه من المعاصي، والرجاء فيما عند الله يدفع العبد إلى التوبة وإلى حسن الظن في الله سبحانه وتعالى.
فالإنسان المؤمن إذا تاب إلى الله عز وجل علم فضل الله عز وجل عليه في أنه ألهمه التوبة، وعلم فضل الله عز وجل عليه في أنه قبل منه هذه التوبة، وعلم فضل الله عز وجل عليه أن ثبته على الهدى.
نسأل الله عز وجل أن يتوب علينا، وأن يثبتنا على الهدى حتى نلقاه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.