فـ عمرو بن عبسة رضي الله عنه حدث بهذا الحديث وعنده صحابي آخر، وهو أبو أمامة رضي الله عنه فقال له أبو أمامة: (يا عمرو بن عبسة انظر ما تقول! في مقام واحد يعطى هذا الرجل؟!).
يعني: كأنه استكثر أن كل هذا يعطاه العبد في مقام واحد، أنه إذا توضأ هذا الوضوء خرت الخطايا كلها منه، ثم يدخل في الصلاة فيخرج منها كيوم ولدته أمه، ليس عليه ذنب، يقول له: تذكر جيداً أن تكون قد نسيت شيئاً مما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم.
فكان جواب عمرو رضي الله عنه أنه قال: (يا أبا أمامة! لقد كبرت سني، ورق عظمي، واقترب أجلي، ومالي حاجة أن أكذب على الله تعالى)، وحاشا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يكذبوا على النبي صلى الله عليه وسلم أو على ربهم سبحانه.
قال: (ولا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة أو مرتين أو ثلاثاً حتى عد سبع مرات ما حدثت بهذا أبداًَ).
يعني: هذا الحديث لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم مرة واحدة، بل قاله سبع مرات، والعدد (سبعة) يذكره العرب بمعنى: الكثرة، ولعله قالها أكثر من ذلك.
قال: لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة أو مرتين أو ثلاثاً -حتى عد سبع مرات- ما حدثت أبداً به.
قال: (ولكني سمعته أكثر من ذلك).
وحق للصحابي الذي سمع ذلك أن يبلغ ذلك للأمة حتى لا ييئسوا من رحمة رب العالمين، وحتى يعرفوا فضل الصلاة، فهي ركن من أركان الإسلام، بل هي من أعظم أركان الإسلام بعد شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولذلك المؤمن الذي يصلي يعرف أن هذه الصلاة صلة بينه وبين ربه فيحسن هذه الصلاة ويستقيم فيها، ويأتيها ويعلم أن له في الوضوء أجر، وله في المشي إلى المسجد أجر، وفي صلاة الجماعة أجر، وفي انتظار الصلاة أجر، وفي التسبيح بعد الصلاة أجر، وفي القعود في المسجد بين الصلاة والصلاة أجر.
فكل هذه الأجور العظيمة في هذه الصلاة لها منزلة كبيرة عند الله، فتعرف منزلة الصلاة، وأنها لم تفرض على الأرض وإنما فرضت في السماء، فالصلاة عالية جداً، ومنزلتها عظيمة جداً، يرتفع النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء، فتفرض عليه وهو فوق السماوات صلوات الله وسلامه عليه.