من الأحاديث التي جاءت في هذا المعنى حديث في الصحيحين عن ابن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق.
أي: الصادق الذي لا يكذب، والمصدوق الذي يصدقه ربه سبحانه وتعالى، ويصدقه سبحانه فيما ينزل عليه من آيات ومن وحي لسنته صلوات الله وسلامه عليه، فهو مصدوق من ربه سبحانه وتعالى لا يكذبه، ولا يخلف وعداً قاله للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو صادق فيما يقول صلوات الله وسلامه عليه.
إذاً هو صادق في نفسه صلى الله عليه وسلم لا يكذب، مصدوق من الله سبحانه وتعالى، ومصدق من المؤمنين الذين يصدقون النبي صلوات الله وسلامه عليه.
قال: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات).
ذكر هنا مراحل تكوين الجنين في بطن الأم حتى تنفخ فيه الروح، قال صلى الله عليه وسلم: (يرسل الله الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات)، وهو في بطن أمه يؤمر الملك بكتابة أربعة أشياء، قال: (بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد) يعني: هل هو شقي أو سعيد؟ فيكتب الرزق، ويكتب الأجل، ويكتب العمل، ويكتب هل هو شقي أو سعيد، فقد قضى وعلم الله سبحانه تبارك وتعالى بذلك.
قال صلى الله عليه وسلم: (فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)، المعنى: لا تغتروا.
(إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة)، فلا يغتر الإنسان بنفسه، ويجد نفسه أفضل من الناس، ويحتقر غيره، وينظر لغيره بعين التعالي، فأنت لا تعرف بم يختم لك؟ فقد يعمل فيما يبدو للناس بعمل أهل الجنة، ولكن الله يعلم أن هذا لا يستحق إلا النار، قال صلى الله عليه وسلم: (حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)، الأمر أمر القضاء والقدر الذي أمرنا الله أن نؤمن به ولا نتفكر في أمره، ولا نسأل لماذا هذا في الجنة وهذا في النار؟ الله عز وجل له الحكمة وله الحجة البالغة، ولم يطلعنا على ذلك، إلا أنه أخبر أن منهم شقياً ومنهم سعيداً، لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى، فخلق الله العبد من ساعة ما خلقه وهو مكتوب عند الله ومعلوم عنده أنه من أهل الجنة، والآخر مكتوب ومعلوم عند الله أنه من أهل النار.
إذاً الإنسان يمشي في الدنيا، ولا يضيع الوقت في التفكير هل أنا من أهل الجنة أو من أهل النار؟ ليس مطلوباً منك التفكر في هذا الشيء، المطلوب منك العمل.
ولذلك الصحابة لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك قال: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) يعني: لا تضيعوا الوقت في الكلام، والتفكير في ذلك، فليس مطلوباً منك أن تعرف الغيب أو تطلع على أنك في الجنة أو في النار، ولكن مطلوب منك العمل، اعمل فهل هناك أحد منعك من العمل؟! عندما تحب أن تقوم بعمل فيه خير لا أحد يمنعك منه، فاعمل الخير، وعندما تعمل الشر لا أحد يمنعك منه، وكسبك أنت مسئول عنه يوم القيامة، فأنت تكسب باختيارك وبإرادتك، وإن كنت لن تخرج عن قضاء الله سبحانه، ويوم القيامة سيقول الله سبحانه وتعالى: ادخلوا النار جزاء بما كنتم تعملون، ولا يقول: ادخلوا النار بقضائي وقدري، فلابد من الحساب، أنت عملت كذا يوم كذا، وتحاسب عليه بكذا، وعملت كذا يوم كذا وتحاسب عليه بكذا.
إذاً: الإنسان سيحاسب على عمله يوم القيامة، والمطلوب من العبد أن يؤمن بالقدر، وألا يدخل بعقله في أمور الغيب، ففي الحديث: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له).
قال صلى الله عليه وسلم: (وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها): يعلمنا ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا نحتقر أحداً من خلق الله عز وجل، فادع صاحب المعصية فلعله يكون من أهل السعادة، فيكون لك الفضل أن دعوته، فيكون ذلك يوم القيامة خيراً لك من حمر النعم، وخيراً لك مما طلعت عليه الشمس؛ أن هداه على يديك وليس على يد غيرك.
فالمؤمن إذا نظر بهذه النظرة الواسعة إلى هذا الإنسان المؤمن أحبه؛ لأنه صالح، وهذا الإنسان العاصي دعاه لعله يكون من السعداء، ولعله ينجو يوم القيامة ويكون هو السبب في ذلك، ولأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس.
والمؤمن إذا هدى الله عز وجل على يده إنساناً يكون له أجر عمل هذا الإنسان من غير أن ينقص من عمله شيء، فعلى المؤمن أن يكون ذكياً كيساً فطناً، فعندما يجد إنساناً عاصياً يدعوه إلى الله بالحكمة، ولا ينفره فيجعله يزداد عتواً وعناداً، فندعوه لعل الله يتوب عليه.
وكم من إنسان هداه الله عز وجل على يد إنسان بكلمة طيبة، فإذا بهذا الذي هداه الله على يديه عمله قليل، وهذا الذي هدي عمله كثير، يحفظ القرآن ويتعلم السنة ويصير عالماً من العلماء، ويكون الفضل للإنسان الذي دعاه إلى ربه سبحانه بكلمة أو بموعظة حسنة، ففي الحديث: (من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيء).