في هذا الباب يذكر الإمام النووي رحمه الله بعض ما جاء في القرآن من تخويف الله سبحانه تبارك وتعالى عباده من الذنوب ومن المعاصي، وذكر قدرة الله سبحانه وتعالى على العباد، فذكر فيه قوله سبحانه: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة:40] يعني: خافوني خوف رهبة من الله.
والمؤمنون وصفهم الله بقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:2]، هؤلاء المؤمنون إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وتقشعر جلودهم وتلين قلوبهم لذكر الله سبحانه.
فيخاف المؤمن من الله عز وجل، والعبد عبد للملك سبحانه فلا ينبغي للعبد أن يأمن بطش الله ولا يأمن مكر الله سبحانه، وربنا لم يؤمنك، فقد قال في القرآن: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم:71]، فلذلك المؤمن يخاف ويرجو رحمة الله تبارك وتعالى، قال الله عز وجل: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة:40].
وقال: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [البروج:12]، البطش: الإمساك والمعاقبة لهذا الإنسان، فإذا أمسك الله عز وجل بهذا العبد وعجز عن الحركة وأدخله نار جهنم وحبسه فيها، فقد بطش به ربنا سبحانه وانتقم منه، فهل يملك لنفسه شيئاً؟ هل يقدر أن يفر من الله سبحانه ومن عقوبته سبحانه وعذابه؟ قال: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} [البروج:12 - 14]، لم ييئسه من مغفرته ومن رحمته سبحانه وتعالى، فهو الغفور الودود، بطشه شديد وهو الغفور الودود سبحانه.