يقول الإمام النووي: [باب في إجراء أحكام الناس على الظاهر وسرائرهم إلى الله تعالى]: الأصل فيمن قال: لا إله إلا الله أنه مسلم، وينبغي أن يتعامل معه على أنه مسلم، إذ إن الأحكام تجري على ما يظهر من الإنسان، فمن عرف عنه أداء الصلاة والصوم في نهار رمضان فهو مسلم، أما السرائر فتوكل إلى الله عز وجل، فلم يؤمر العبد أن ينقب عن سريرة أي إنسان.
قال الله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة:5]، أي: أن هؤلاء الكفار الذين يحاربون الإسلام إذا تابوا فشهدوا أن لا إله إلا الله، وعرف أنهم يصلون ويدفعون الزكاة إذا طلبت منهم، وجب أن يخلى سبيلهم ويعدوا إخواناً للمسلمين في الدين قال تعالى: {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة:11].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماؤهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى)، الحديث متفق عليه.
وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم مأمور بجهاد الكفار إلى أن يسلموا ويدخلوا في دين الله سبحانه وتعالى، أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، لقوله سبحانه وتعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29].
فإذا التقى المسلمون مع المشركين كان لهم أن يدعوهم إلى إحدى ثلاث خصال: إما أن يسلموا فيكف عنهم ويقبل منهم، وإما أن يدفعوا الجزية وهم على دينهم، فيقبل منهم ويكف عنهم، وإما أن يصروا على القتال فيقاتلوا ويحاربوا؛ لأنهم إن أسلموا وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأقاموا الصلاة وأدوا الزكاة فقد عصموا دماهم وأموالهم، وعند ذلك لا يجوز أن يؤخذ مال مسلم بغير طيب نفس منه.
قوله صلى الله عليه وسلم: (إلا بحق الإسلام) أي: إلا أن يأتي شيئاً فيه القصاص، كمن أسلم ثم قتل عمداً وعدواناً، فإنه يستحق القصاص، أو قطع يد إنسان عمداً وعدواناً، فيستحق أن تقطع يده، وهكذا.
قوله: (وحسابهم على الله تعالى) أي: أنهم إذا أتوا بالأشياء الظاهرة فليس لنا عليهم شيء، وأمرهم إلى الله، وإن كان من فعل تلك الأشياء الظاهرة يبطن النفاق والكفر، فلا شأن لنا به طالما أظهر لنا الإسلام، فنعامله على ما يظهر منه، أما ما أبطنه فالله عز وجل يتولى أمره فيه.